عندما يكبر الإنسان ويستوطن الشيب شعر رأسه، وتبدأ معاول الزمن تهد في كل قوى فيه حتى لا يتبقى منه سوى بعضه، بعد أن يصل إلى أرذل العمر فلا يعلم من بعد علم شيئا، وتشتد الحالة عندما يصاب بالخرف أو (الزهايمر)، عندها سوف يردد ما كان يهتم به ويشغل باله ويأخذ بتلابيب عقله عندما كان في صحته وتألق ذاكرته! فـ (التخريف) هو مرض يفتح أبواب الذاكرة على مصراعيها، بل إنه يقتلع الأبواب! فلا يجعل من مصدات وقدرة لك على التحكم كما هو الحال قبل الدخول إلى عالم الشيخوخة! وإذا كان من أصحاب الأقنعة المتعددة فان يد الزمن ستنزع عن وجهه كل الأقنعة وسينطق لسانه بما وقر في قلبه وخشي أن يطلع عليه الناس عندما كان يرفل بالصحة والعافية! الكثير ممن أمد الله في عمر أحد والديه أو كلاهما أو أحد أجداده وشاهد وسمع عن قرب ما كان التخريف يفعل معهم وما هي الكلمات التي يرددونها على مسامع العائلة، وأحيانا تكون محل التندر أو كلمات مخجلة تستدعي إخفاء الشخص (المخرف) عن أعين الناس حتى ليفيض على مسامعهم من إبداعاته!
إذا كان الإنسان من أهل الصلاح والفلاح فغالبا سيتوقف عداد (طبلونه) على الصلاة والذكر والكلام الطيب! ولقد تم تداول قبل فترة (رسالة) بالواتس أب لرجل نالت منه الشيخوخة، يقف ويؤذن في وسط صالة البيت مرات عديدة في اليوم الواحد! بينما ابنه يقول لم يدخل وقت الصلاة بعد!! فما أجمل ما يشعل بال هذا الرجل في شبابه ففاضت به شيخوخته على مسامع من حوله. ولعلكم تذكرون أيضا إحدى حلقات «طاش ما طاش» والتي جسدت واقع بعض (الشيبان) الفاقدين للذاكرة عندما استقر به المقام عند عائله فكان يصيح بهم في أوقات مختلفة ليسأل (هو أذن ؟؟) أي هل دخل وقت الصلاة!! ثم ينادي بأعلى صوته يا حصة يا حصة (أبي قهوة) كانت تلك حلقة اجتماعية بامتياز جسدت واقع كبار السن عندما يفقدون الذاكرة ويبدأون يتلون ما كان يقع في دائرة اهتمامهم قبل أن يصيبهم الخرف!
ولذلك فإن من الجميل أن يطبق الشخص نظرية (اعمل لخرفك). لعله إن ظهر المستور يوما ما على اللسان، ليكن أمرا عاديا أو على الأقل لا يخدش الصورة التي كان الأبناء وأفراد العائلة قد عرفوها عنه.
وإذا كان الحديث الشريف يوصي بأن اعمل لشبابك قبل هرمك.. فماذا يريد الشخص بأن يقول إذا فقد الذاكرة؟! هل يريد أن يقول هو أذن!!ويردد على مسامع الناس كلاما طيبا، أم يريد أن يقول شيئا آخر يخدش الحياء ويرمي بعيدا برداء الستر الذي ألبسه الله إياه أيام صحته ونشاطه!
لهذا فلا تعجبون أن تخلص بعض الأبناء من آبائهم أو أجدادهم ووضعوهم في غرفة مغلقة ومنعوا عنهم الزيارة مخافة أن (يخور) هذا الأب أو الجد الوقور و(يخربها) (ويجيب العيد) ليسمع أهل البيت والزوار مالا يليق أن يسمعوه! وهنا لنتذكر تعوذ الرسول الكريم من الهرم حيث قال عليه الصلاة والسلام (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْجُبْنِ وَالْهَرَمِ والْبُخْلِ،).