هذه حفنة صغيرة من المطالب الوطنية التي ليست على درجة من الأهمية في سلم الأولويات الإستراتيجية أو المرحلية لا لدى الدولة ولا لدى المجتمع. لذا أهيب برئيس التحرير أن يجيز المقال دون عناء التدقيق الرقابي فليس فيه إلا كتابة من نوع النكاية بالذات الكاتبة ليس إلا.
كما أهيب بالقراء أن يقلبوا الصفحة ويعفو نفسهم من عناء قراءة لا تروم إلا معاندة معهود الأعمدة الصحفية من الرزانات الزائدة أو الزائفة. فالموضوع ليس عن مواجهة داعش في بلاد واق الواق أو ما يعشعش في عقولنا من دواعش الأفكار، كما أن الموضوع ليس عن مخاطر انخفاض أسعار البترول على رفاه الشعوب ولا على الحروب البعيدة وصراعات الجوار وليس من عيار المطالبة بحل للمعضلة الثلاثية البطالة والصحة والإسكان. إنه نوع خفيف من شر البلية الله لا يبلينا.
مطلب الهواء
نريد هواءً نظيفًا لم تلطخه أنفاس النميمة المقززة بين الأصدقاء - الأعداء كإخوة كرامازوف. نريد هواءً سويًا لم تشووه جحافل قمل الغيبة المتناسل من أفواه تقرحها الأحقاد وتدميها لوثة التعصب. نريد هواءً حيويًا لم تخنقه وتحوله إلى جثة هامدة تفنن أعداء الهواء الطلق في خنق الحرية مرة بدخان الشيشة ومرة بدخان السجارة والسيجار ومرة بدخان المخدرات وبقية مبيدات الحرية الشخصية والعامة. نريد هواءً شفافًا لا تعطى فيه المعارضة دور الثعلب المكار مكشر الأنياب ضد الاستقرار كما لا تأخذ فيه الشعوب دور الحملان أو الضحايا غير البريئة من مذمة التواطؤ. نريد هواءً مشاعًا لا يُخاف منه ولا يُضطر إلى تربص عناصره بجيش من القناصة والمخبرين الصغار وكبار الموظفين كلما تحركت ظلفة النافذة أو رف جناح طائر في خيال شاعر.
مطلب الشارع
نريد شارعًا لم يعث فيه الفساد طولاً وعرضًا فحوله إلى شق غائر بأنواع الخراب من البيارات مفغورة الحواس إلى المواسير والحفر الطافحة بمختلف المخلفات المتعفنة كحمامات عمومية قطع عنها الماء والكهرباء قبل أن يصلها. نريد شارعًا لا تلطخ العابرين به نظرات التلصص والاقتناص خاصة لوكان المارة من لابسات السواد ولو كانت مجرد صواري خشبية سوداء. نريد شارعًا لا تنحني فيه الأشجار تحسبًا لعواصف قد يشنها الحرس القديم والجديد معًا ضد محرمات متخيلة. نريد شارعًا يتسع للمشاة ولعابري السبيل من جميع الأجناس لا شارعًا يضيق بغير السيارات الفارهة ويرفع هراوات في وجه التجمعات ولو كانت أسراب فراشات تريد أن تشتكي من حمى الربيع أو قسوة الشتاء.
مطلب المرأة
نريد مرآة نرى فيها أنفسنا كما نحن دون تجميل مؤقت من أجل كاميرات الإعلام. لا نريد مرآة عمياء لا نرى فيها إلا سوانا بعيون الشك والريبة ولا نرى فيها أنفسنا إلا بعين الرضا والتغاضي والتبجيل والتفخيم. نريد مرآة نستطيع أن نطور أمامها ملكة النقد الذاتي فنتعرف على عيوبنا ولا نقبل خدعة النفاق القائلة إن كل مشروعاتنا الوطنية المؤجلة إنجاز إن لم تكن إعجازًا. نريد مرآة نرى فيها أن استعداء القوى الاجتماعية على بعضها الذي تقوم به بعض المرجعيات العتيدة سواء كانت محسوبة على الدين أو المتسمين بالليبرالية هو عمل مخجل لا يقل خسة عن استعداء حكومة على شعب أو استعداء جيش على حكومة. نريد مرآة صافية نستطيع أن نرى بها نبوءة زرقاء اليمامة فلن يحصد زنبق أو فل بلدي من يزرع بصلاً أو ثومًا. ولن نرى بلادًا متحضرة في مرآة تقف أمامها معقوفين كعلامة استفهام في مهب قوى التغيير التي بأيد سوانا أو بإرادات المصالح الفئوية الضيقة.
مطلب سيارات للمعاقين والمعلمات
نريد أن نقر أن المجتمع بأسره يعاني من الإعاقة وليس فقط أولئك المطعونون بيد القدر. فنحن نعاني من إعاقات تجاه النساء فلا نرى ظفر امرأة إلا ونصاب بالرعاش ولا نسمع صوت امرأة إلا ونصاب بالصمم عن كل قضايانا العاجلة والمؤجلة ما عدا رجع مخاوفنا من فتنة التعامل بعقل وعدل مع حقوق النساء. ونحن نعاني بنفس القدر من إعاقات تجاه الشباب خاصة أولئك الذين لم يولودوا وفي أفواههم ملعقة من ذهب تكفينا شر مطامعهم بما في يد سواهم. فإعاقتنا في التعامل مع الشباب تمنعنا من التعلم منهم وتصيبنا بداء الريبة في نواياهم تجاه المستتب والمستبد من السلطات المعمرة. هذا غير معاناتنا المعتقة من إعاقتنا المزمنة مثل التعصب القبلي والجهوي والمناطقي والطائفي والإثني والعرقي والطيفي وكل ما هو مختلف أو يوحي بشق العصا على سنة التشابه التي تعطي للمجتمع خصوصيته في القدرة على الطاعة العمياء وتقمص أدوار الامتثال في العلن وإن لعناها ونسفناها في الخفاء أو على مواقع التواصل الاجتماعي بأسماء مستعارة. وبالمحصلة النهائية فكلنا بحاجة لتلك السيارات التي أقرتها الإرادة الملكية للمعاقين ومنعتها الجهات التنفيذية أو لم توزعها إلا على ذوي الحظوة في الإعاقات. ومع أنه يبدو طلبًا ساخرًا فلا ضير لأن المهم فيه أنه سيشكل حلاً سحريًا لكل فئة المعاقين منا بما فيهم معلمات المدارس على تلك الطرقات المعبدة بالردى. فالمجتمعات المشلولة لا تحل مشكلاتها بالقطارات ولا بجهود مركز الحوار الوطني الذي أصبح مثل كتاب الأعمدة متفرغًا لحل مشكلات التقصير في سوق الخدمات الحكومية (قلنا سوق ولم نقل سوءًا فلا أحد يستعدي علينا فالسلطات مشغولة بوحشية داعش وليست فاضية لمثل هذه التفاهات من «عوار الرأس»). ولله الأمر من قبل ومن بعد.
(*) مثل جدة... جدة غير