في ظل انعدام «تام» لوسائل الترفيه فإن المتنفس الوحيد الذي يتجه له سكان السعودية هو الأسواق، لذا فإن فكرة إغلاق المحلات في الساعة التاسعة مساءً غير موفقة ولا تتناسب مع النظام الاجتماعي ولا الأجواء المناخية في السعودية.
أضف إلى ذلك، أن النتائج السلبية على المجتمع ستزيد وتتفاقم، من هذا مشكلة المخدرات التي عثت في أوساطنا الشبابية، فهي ستتضاعف عندما يعيش الشباب فراغًا أكبر من الحاصل وسيزيد تسكع الشباب في الشوارع وندرك جيدًا حجم المشكلات نتيجة هذا التسكع العبثي، ولن نلومهم بعد أن يجدوا بأن المكان الوحيد الذي يضمهم وقت المساء بات يغلق أبوابه. أتوقع كذلك المشكلات العائلية ونسب الطلاق ستتضاعف أكثر وأكثر بعد أن تعيش النساء فترة فراغ يومية وقت المساء، وهو الوقت الوحيد الذي تتمكن فيه المرأة الأم والعاملة من قضاء لوازمها.
كنت قد كتبت في العام قبل الماضي بعد صدور أخبار عن وجود دراسة مشتركة بين عدة جهات حكومية مقالاً بعنوان: (دراسة غير مدروسة) وذكرت فيه أننا لا يمكن أن نقارن أنفسنا بالدول الأوروبية في هذا المجال، لأن النمط المعيشي بيننا وبينهم يختلف كثيرًا، كما أنهم يغلقون محلاتهم باكرًا ليهرعوا إلى أماكن أخرى، أما نحن، فسنغلق محلاتنا ولن نجد عنها بديلاً سوى مزيد من الفراغ!
وأجد نفسي اليوم لا بد أن أكتب مجددًا بعد تصريح وزير العمل الدكتور عادل فقيه، من أن هذا القرار سيكون قريبًا على طاولة مجلس الوزراء. أقدر فكرة ورؤية وزارة العمل وسعيها نحو سعودة وتوطين وظائف البائعين، لكنني في الوقت ذاته، استغرب من هذا التمسك القوي في سعودة الوظائف «الدنيا» بالذات، ونسيان الوظائف الوسطى في معظم القطاعات الخاصة بيد الأجانب؟! مع العلم أن الشاب أو الفتاة الذي سيقبل بالعمل على وظيفة (بائع) سيقبل بالعمل لغاية الساعة الحادية عشرة مساءً، وليت وزارة العمل هنا تهتم بسعودة القطاعات الخاصة التي يهيمن عليها الأجانب ولا يعمل فيها السعوديون إلا في حراسة الأمن! وليت وزارة العمل تنظر إلى السعودة الوهمية التي لا يمكن حجب حقيقة وجودها بغربال، والمرتبات العالية التي يأخذها الأجانب بينما السعودي المسكين يطلب الكفاف وليته يحصل عليه!
أيضًا أتمنى النظر في قضية تجميد سلم الترقية الوظيفي للسعوديين العاملين في القطاعات الصحية، بينما الأجنبي الذي يعمل على الوظيفة ذاتها يتمتع بترقيات مادية مذهلة وزميله السعودي يتفرج!
أعود إلى إغلاق المحلات في الساعة التاسعة مساءً، ألا نفكر بصاحب العمل نفسه الذي لا يحصل على ربح اليوم كله إلا من بعد صلاة العشاء، فإن أغلقنا المحلات باكرًا من أين سيكسب؟ وكيف سيدفع رواتب السعوديين البائعين؟
هذه الفكرة غير مناسبة لنمط الحياة السعودي، ولو تم تطبيقها سنجني تبعاتها السلبية سريعًا، وأذكر وزارة العمل بأن النجاح في السعودة ليس بالضرورة أن يكون على الوظائف الدنيا، ولا المكاسب قريبة المدى، لأن العبرة بالنتائج وأثرها على المجتمع!