ظل الفلسطينيون يُطالبون لأكثر من ستة عقود بحقوقهم المشروعة التي أبسطها إقامة دولة خاصة بهم مثل باقي الشعوب الأخرى، وصدرت عشرات القرارات الدولية، وبدلاً من أن تتحقق مطالب الفلسطينيين ضمّت إسرائيل باقي الأراضي الفلسطينية سواء بالاحتلال، مثل ما هو حاصل في الضفة الغربية، أو بالحصار كما هو حاصل في قطاع غزة، أو الاستيلاء والضم القسري لكثير من الأراضي الفلسطينية كما يجري الآن في القدس.. وعندما حاول الفلسطينيون تحقيق مطالبهم الشرعية وعبر الشرعية الدولية، ومن خلال آليات الانضمام إلى المنظمات الدولية عبر هيئة الأمم المتحدة، وقفت الدولة التي تقود وساطة تمكين الفلسطينيين من إقامة دولتهم عائقاً أمام تنفيذ هذا الطلب العادل، فبالإضافة إلى تصويتها ضد قرار إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، ضغطت وأغرت عدداً من الدول التي تدور بفلكها، وتلك التي تحتاج لمساعداتها إلى معارضة مشروع القرار العربي - الفلسطيني بإنهاء الاحتلال أو الامتناع عن التصويت، حتى يسقط مشروع القرار دون حاجة واشنطن إلى استعمال «الفيتو» لإسقاطه.
مشروع القرار كان لن يمر حتى وإن صوَّت لصالحه تسع دول، وهو ما لم يحصل إذ حصل على تصويت ثماني دول فقط، بعد تخلي دولتين إفريقيتين رواندا ونيجيريا عن الوقوف مع العرب وامتنعا عن التصويت، وهو مؤشر يظهر ضعف التأثير العربي وابتعاد من كنا نقف معهم في قضاياهم عنا، اليوم: نيجيريا ورواندا.. وغداً لا نستبعد أن تصوِّت دولٌ إسلامية ضدنا، فالعرب يعيشون ضعفاً دبلوماسياً ودولياً، بعد ضعف تأثير دولهم لضعف تحالفاتهم والاعتماد على قوى دولية هي في أساسها تنفذ سياسات وإستراتيجيات معادية للعرب.
الآن، وبعد أن عجز الفلسطينيون عن تمرير مشروع قرار إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لأراضيهم، توجهوا إلى الانضمام إلى المنظمات والهيئات الدولية التي تمثِّل الأذرع الإنسانية والقانونية للأمم المتحدة للدفاع عن حقوق الفلسطينيين ووقف الجرائم والانتهاكات التي يتعرضون لها جراء استمرار الاحتلال، فكانت خطوة الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية، حيث قدمت السلطة الفلسطينية وثيقة الانضمام لهذه المؤسسة الدولية والتي عن طريقها يُمكن محاسبة إسرائيل على ما ترتكبه من جرائم ضد المدنيين الفلسطينيين العزّل، وإمعاناً في تحديها للمواثيق الدولية ردت الحكومة الإسرائيلية على الخطوة الفلسطينية بوقف تحويل المستحقات الضريبية إلى السلطة الفلسطينية، وهي ضرائب يجنيها الإسرائيليون على المعابر المقامة على الحدود مع فلسطين وتُؤخذ من الفلسطينيين، وقد جمَّدت حكومة نتنياهو أكثر من 125 مليون دولار عوائد الضرائب المستحقة عن الشهر الماضي، وهو إجراء يُعد خرقاً فاضحاً لميثاق جنيف الذي يُعالج الأراضي المحتلة من قِبل دولة أخرى، ومع هذا لا تزال الدولة الوسيطة «أمريكا» صامتة تجاه هذا الإجراء، بل أكثر من ذلك يُهدد الكونغرس الذي يُسيطر عليه حلفاء إسرائيل بمعاقبة الفلسطينيين ووقف المساعدات لهم، إن هم واصلوا مطالبهم بإنهاء احتلال الإسرائيليين لهم، في مشاركة للإسرائيليين لفرض الاستسلام على الفلسطينيين بسلاح التجويع.