إن حادثة الشمال في مركز «سويف» وفقد الوطن نخبة من أبنائه، أدوا عملهم بأمانة وفداء, تعيد لنا الرغبة في مباشرة الحديث مع خطباء المساجد, وأئمتها,..
فإذا كان المسجد مدرسة خير البشر عليه الصلاة والسلام، فإنه يبقى كذلك ما دامت الحياة..,
هو الذي يجمع خمس مرات الناس على القبلة ليكونوا في طاعة الله, وأول الطاعات هي إفشاء السلام، وعدم ترويع الآمنين، واحترام الحدود بين الأمم, والدول، والجماعات, والأفراد, ذلك بأن يكونوا باختلافهم في بلادهم مواطنين صالحين يأمنهم الوطن.., وخارجها يحترمون الحدود ولا يتخطون بمطمع.. فكيف هي إذن مسؤولية المواطن تجاه أهله، وجيرته, وأبناء وطنه, بل وطنه كله..؟
ألا وقد نفرَ عن هذا الوطن من أبنائه من اتجهوا صوب الضلالة في الرؤى، والتجاوز في العدوان, متخلين عن القيم المكون الرئيس لقوام الدين الذي _أسفا_ يعتنقونه اقتداء واتباعا, لا استيعابا وفهما وامتثالا، فقد وجب العمل على توطيده تعليما وتدريبا وتطبيقا، وذلك بتمكينه ليكون العمل به اقتناعا يصد كل من يتسلل إليه في نفوسهم وعقولهم..
وقد كان هذا هو مسار التربية، والتعليم منذ خرج من أسرنا, ومن مساجدنا المسالمون المتكافلون، محبو الخير, المجاورون بعضهم في سلام, المارون في طرقهم يقرئونه سلاما بحب, يحنون على البائس، يرحمون الثكالى، يخافون الجريمة، يهابون اقترافها..!
أما وقد تداخلت مصادر مختلفة على بنيتهم النفسية، والفكرية, وهجمت عليهم أفكار متناقضة, وتزاحمت من حولهم رؤى عديدة, وكثرت الإغراءات التي تشدهم بخيوطها المسبوكة,، وتلونت نحوهم المستميلات فضعفوا بلين عظامهم, ولدونة تجربتهم, وصغر سنهم لمن غزاهم بما شحذهم بالباطل، فقد حزم الأمر وأصبح بين أيدي الخطباء في المساجد قبل غيرهم, ومع غيرهم..
الحوادث التي يواجهها رجال الأمن باختلافهم، هي باطل, وكل باطل شرس، له أظلاف ونبال.., المتمعن فيها سيجد رماتها أبناء الوطن ومن خلفهم قوى جادة ملحة لتفريغهم من حب الوطن, ومن قيمهم الدينية، فأصبحوا الرماة الذين يستهدفون أنفسهم بالسوء، حين يستهدفون وطنهم بالعدوان, مذ أول عملية إرهاب...وحتى ما بعد ما أن أصبح الوطن قضية الطامعين..الذين سلوا عليه سلاحهم ليكون المتسلحون به هم هؤلاء من لحمته..
إن دور أئمة المساجد في خطبهم وبرامج توعيتهم,، ومعهم أيضا دور كل معلم في افتتاحية درسه ومحتوى أنشطته, ودور الجامعات تعقد حلقات نقاش يفند فيها الباحثون للشباب كل شاردة, وواردة في شأن الإرهاب، ذلكم هو الدور الملح الآن, يؤدونه بالتركيز على التفريق لمن يتلقى عنهم بين الدين القويم بقيمه الضامنة للبشر سلامَهم، وأمنَهم, المقرة لهم الحياة الطيبة في ظل احترام مواثيق هذه الحياة لكل فرد، ولكل وطن، دون مطامع، ودون تقصد سافر, وخفي, مع احترام جميع الفئات والأديان..
لأن هذه المسؤولية ليست في الأول, والأخير مسؤولية رجال الأمن وحدهم, ولا مهمة مرافق وزارة الداخلية وحدها، بل في مثل هذه المرحلة فإن الجميع مسؤول عن أمن الوطن, وأولهم خطيب المسجد, والكاتب، والمعلم, وأستاذ الجامعة، والأب، ورجل عابر في الظلام ليلا، أو مارا في النهار جهارا..
هي مسؤولية كل من ينبض في صدره حس بحاجته للسلام، وبرغبته في الاطمئنان.., وبحبه لموطنه, وأهله, ومأواه, سكنه، ونشوره, فلا يتهاون عن مواجهة أي منفذ، أو ثغرة لأعداء الإسلام ممن يدَّعون الإسلام فيعملون للتأثير في أبناء الوطن، أو أي فرد فيه عن طريق الطعن في الإسلام بمصادره وشخوصه.., وتقليل مهابة المكان وساكنيه, ومن ثمَّ لمس الوطن معقل الإسلام, الحاكم بكتاب الله, وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام بما ارتضى الله تعالى له أن يكون آخر الرسالات على الأرض، وخص بها هذه الأرض, وأهلها...
رحم الله شهداء الوطن, وجبر حزن فقدهم, وصبَّر أهلهم، وأسرهم ..
وجعل في حمايته وحفظه وأمانه كل ذرة في حياض البلاد، وأنفاس من فيها من العباد..
ووفق الجميع لهذه المسؤولية..اللهم آمين.