من المذهل أننا كأهالي وحتى أولئك المشتغلون في حقول التربية والتعليم لم نعط أهمية كافية لما كان يجري من تجاوزات خلال العشرين سنة الأخيرة دمرت معارف طلابنا العلمية والرياضية دون أن ينبس أي منا بكلمة؟ هل لأننا لم نعرف..؟؟ ربما.. هل لأننا لم نفهم ماذا كان يجري؟ ربما.
هل هو شح المعلومات والتلصص عليها كما عرفت من خلال بحثي الطويل عن أية معلومات (رسمية) عن هذا النظام الذي يعرف بنظام التجاوز في الثانوية والذي يصعب العثور على معلومات موثقة كافية في موقع الوزارة تساعد على فهمه للمتخصصين فكيف بالآباء والأمهات الذين لا علاقة لهم بحقل التربية والتعليم؟
لنبدأ أولا بالإيجابي وهو ما أعلنته أخيرا ولله الحمد وزارة التربية والتعليم في مشروعها لتطوير النظام السنوي للتعليم الثانوي وجاء كالآتي:
«تتضمن ملامح التقويم الجديد في النظام الفصلي: اعتماد تطبيق المعدل التراكمي لجميع السنوات الدراسية بنسبة 25 % في السنة الأولى و35 % في السنة الثانية و40 % في السنة الثالثة، وإلغاء نظام التجاوز المعمول به في النظام القائم لزيادة كفاءة النجاح النوعي، وتوحيد النهاية الصغرى لجميع المواد الدراسية بمقدار 50 درجة بشرط دخول الطالب الاختبار النهائي وحصوله على 20% من درجة الاختبار على الأقل».
فماذا يعني إلغاء نظام التجاوز في الثانوية وماذا يعني توحيد النهاية الصغرى لكافة المواد؟ وكيف كان يتم احتساب نسب النجاح في المتوسطة والثانوية لمختلف المواد العلمية والرياضية والدينية واللغوية؟
في هذه المرحلة أي في الصف السابع يلتحق الطالب بالسنة الأولى ثانوي حيث يدرس مواد كثيرة من ضمنها الرياضيات والفيزياء والعلوم واللغة الإنجليزية ينتقل بعدها إلى السنة الثانية حيث يمكن للبنين الالتحاق بأحد التخصصات الموجودة (شرعي) (إداري) (علمي) (يقتصر خيار البنات على علمي وأدبي فقط). ورغم أن الطالب يدرس كل هذه المواد إلا أن نسب تصحيحها غير متساوية حيث تحظى مواد الدين واللغة العربية في الأول ثانوي بالأهمية الكبرى كما أنها لا تخضع لنظام التجاوز.
ماذا يعني نظام التجاوز ؟
يعني نظام التجاوز أن الطالب إذا رسب في مواد غير مواد الدين أو اللغة العربية أي في الرياضيات أو العلوم أو اللغة الإنجليزية أو الحاسب الآلي أي تلك المواد التي يعتبرها مخططو الامتحانات في وزارة التربية والتعليم (علوم دنيوية لا فائدة منها) فيحق للطالب تجاوز رسوبه بأن يختار مادتين من هذه المواد الدنيوية حتى يتم ترفيعه فيها حتى لو لم ينجح فيها أي لم يحقق الحد الأدنى في أي منها وهو الحصول على النهاية الصغرى في هذه المواد.
ماذا نعني بالنهاية الصغرى والنهاية الكبرى لكل مادة ؟
الدرجة الكلية لجميع المواد هي 100 درجة. تقسم على الفصلين أي خمسين في الفصل الأول وخمسين للثاني.
النهاية الصغرى تحددها عادة المؤسسة التعليمية فعلى سبيل المثال لا الحصر النهاية الصغرى للنجاح في جامعة الملك سعود هو ستين (وهذا فقط لفصل واحد) وليس لفصلين كما في الثانوية كما أن الأردن أيضا يتبع نفس النظام في الثانوية.
لكن لدينا تفتقت قريحة المخططين التربويين عن معادلة غير مفهومة وهي السبب في إضعاف مخرجات التعليم حيث تم إقرار النهاية الصغرى لمواد الدين واللغة العربية ب 50 لكن بقية المواد (الدنيوية) فنهايتها الصغرى هي 40.
وقد أخذت لكم من أحد المواقع شرحا مبسطا لهذه العملية كالآتي:
مواد الدين الدرجة الصغرى 50، مواد اللغة العربية الدرجة الصغرى 50، الاجتماعيات والعلوم والرياضيات والانجليزي الصغرى 40
المواد الأخيرة ممكن التجاوز فيها (مادتين فقط) وتكون الصغرى 28 بدل 40
التجاوز مشروط بالحصول على الدرجة الصغرى (أي النجاح) في مواد الدين والعربي.
في حالة رسب الطالب بمادة عربية وحصل على أقل من 40 درجة وأعلى من 28 في مادة واحدة من مواد التجاوز، فإن مادة التجاوز تكون اختيارية الاختبار، لكن مادة اللغة العربية إلزامية الاختبار. في حالة أن الطالب حصل على أقل من 40 في ثلاث مواد وأعلى من 28 يختار مادة من الثلاث علشان يختبر فيها. وتحسب له المادتين المتبقيتين تجاوزا.
هل يمكن تصور ذلك ؟ إذا حقق الطالب ثمان وعشرين في الفصل الأول في أي من المواد الدنيوية فلا عليه أن يقلق بشأنها في الفصل الثاني بل يهملها تماما لأن النهاية الصغرى لها 28 درجة فقط بل يمكنه في الحقيقية أن يقرر من بداية السنة الدراسية ما الذي يستحق الاهتمام لأنه وحتى لو لم يحقق هذا الحد الأدنى المخجل فلا عليه أن يقلق بل سيقدم له النجاح على طبق من ذهب عبر نظام التجاوز لمادتين في أول ثانوي ولمادة في ثاني ثانوي بشرط ألا تكون من مواد الدين واللغة العربية ؟!
لا عجب أن نرى المستويات المتدنية جدا للطلاب والتي أصبحت تأتي للجامعة في السنوات الأخيرة وهو ما أكده أحد مديري المدارس الثانوية في أحد الملتقيات التربوية حيث ذكر أنه (من الطبيعي أن نرى إهمالا من الطلاب بسبب تطبيق مثل هذه الأنظمة ففي أول أيام الامتحانات النهائية لمنتصف العام فوجئنا بمستويات منخفضة في مادتي الرياضيات واللغة الإنجليزية إضافة إلى أن الاستهتار والضحك واللامبالاة بدت على محيا الطلاب قبل الاختبار لضمانهم النجاح بمباركة من نظام التجاوز، فمتى حقق الطالب 70 في المائة من النهاية الصغرى التي هي 40 درجة بمعنى 28 من 100 فهو ناجح، وحتى على مستوى المدرسة فالمعلم يعاني جدا مع الطلاب ويواجه ضغطا كبيرا عندما يرد عليه الطالب: أنا ناجح ناجح! وهذه الأمور بدأت تظهر على كثير من الطلاب ويتساءل بعضهم لماذا أجتهد بما أن النظام يخدمني ويهمل هذه المادة أو تلك وبالتالي حتى عدد الطلاب المتفوقين بدأ ينخفض فيصبون اهتمامهم على مواد النجاح الرسوب فقط وهي الدين واللغة العربية بينما يختارون ما يشاؤون من غيرها ليكون خطة الإهمال وباللغة العامية أصبح لدى طلابنا (تطنيش).
مشكلة هذا النظام كما أرى لا تقف عند هذا الحد بل يتعداه إلى خلق اتجاهات سلبية نحو أكثر المواد أهمية في العصر الحديث وهي الرياضيات والعلوم واللغة الإنجليزية وهو ما جعل نتائج طلابنا الأكثر هزالا وضعفا في الامتحانات العالمية ولا أعرف في الحقيقة أيضا ما إذا كان الطلبة استفادوا فعلا من دراستهم لمواد الدين واللغة العربية بحيث يكونون قادرين على الحديث والكتابة بلغة سليمة وهو ما لا نراه في معظم مخرجات مدارسنا الثانوية فماذا كنا نفعل إذن ولماذا تخصص ربع ميزانية بلادنا لمخرجات هزيلة بهذا الشكل؟ الحمد لله أننا استيقظنا جزئيا بالإعلان عن إلغاء فكرة التجاوز وتوحيد النهاية الصغرى لكافة المواد دون تمييز ولكن أيضا لا زال الدرب أمامنا طويل جدا حتى نستطيع القول إن التعليم يؤدي وظيفته فعلا في بناء الإنسان السعودي الوطني العالمي.