الحمد لله المنعم الوهاب، الذي جعل لنا وطناً آمناً مستقراً، تجبى إليه ثمرات كل شيء. وجعل قادته أصحاب صفات حميدة وخلق كريم وصدق وصلاح، وحرص على كل ما يحقق الخير لنا ولبلادنا ولأمتنا، بل للإنسانية جمعاء، كما أكد سيدي صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ولي العهد الأمين، النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، حفظه الله ورعاه، خلال رعايته حفل تكريم الفائزين بجائزة الملك خالد بن عبدالعزيز، طيب الله ثراه، نيابةً عن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله ورعاه، مساء الثلاثاء 8-3-1436هـ، الموافق 30-12-2014م، بفندق الفيصلية في الرياض، إذ يقول: (... في هذه الليلة التي نحتفي فيها بالفائزين بجائزة الملك خالد، رحمه الله، نستذكر كثيراً من إنجازاته وصفاته الحميدة، وما تميز به من كريم خلق وصدق وصلاح، وحرص على كل ما فيه الخير لهذه البلاد، ونحمد الله تعالى أن رأينا هذه الصفات ونراها في جميع ملوك هذه البلاد، منذ عهد الملك المؤسس، رحمه الله، إلى عهد سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، حفظه الله، الذي حققت بلادنا في عهده الميمون إنجازات كبيرة على مختلف المستويات...). وكثيراً ما أكد سلمان، القائد الإداري المبدع، الأديب المؤرخ والرجل الموسوعي بحق، أن جهود والد الجميع خادم الحرمين الشريفين، الإمام العادل والملك الصالح عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، لتنمية بلادنا وتطويرها وتوفير رفاه شعبها، قد حولتها إلى ورشة عملاقة تواصل الليل بالنهار في العمل بجد وإخلاص. فهنا جامعات، وهناك مستشفيات، وبينهما جسور وطرق وانفاق، وغير بعيد عنهما مدارس ومعاهد ومدن مالية وأخرى جامعية وثالثة طبية ورابعة إسكانية وخامسة صناعية و... و...إلخ.
وصحيح.. تحقق لنا هذا كله بفضل المنعم الوهاب سبحانه وتعالى، ثم بفضل هذه القيادة الرشيدة الصالحة الصادقة المخلصة التي سخرها لنا، فأقرت دستور بلادنا على هدى كتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، ثم عكفت تعمل بهمة ونشاط وتجرد ونكران ذات على مبدأ واحد راسخ، مفاده خدمة العقيدة والوطن والمواطن ونفع الناس أجمعين. ولهذا كان كل خلف يضيف مزيداً لما حققه السلف من تنمية وإعمار وإنجاز، فيسر الله الخير على يدي قادتنا، فأنفقوه كله لتحقيق راحتنا ورفاهنا.
فنظرة واحدة فاحصة مجردة لتطور حجم ميزانية الدولة السعودية، منذ أول ميزانية رسمية في عهد المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل، طيب الله ثراه، عام 1352هـ(1939م) التي لم تكن تتجاوز أربعة عشر مليون ريال، إلى ميزانية اليوم في هذا العهد الزاهر، بقيادة والدنا خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، حفظه الله ورعاه، التي بلغت (860) مليار ريال، متجاوزة الإيرادات بأربعة وخمسين مليار ريال، أقول، نظرة واحدة فاحصة منصفة، تستطيع أن تؤمن على ما سبق من حديثي هذا، إذ تضاعف حجم ميزانية بلادنا الطيبة المباركة بجهود قادتنا المخلصين الصادقين عبر السنين، واحد وخمسين ألف مرة. ولم يكن لهذا النجاح المنقطع النظير أن يتحقق لولا فضل الله أولاً، ثم ثبات المنهج السليم ورسوخه وصدق نية القادة وتلاحم الشعب الوفي النبيل معهم، الذي اطمأن من خلال ممارسة قيادته الرشيدة، أن ولاة الأمر خدام له، وليس سعاة لسلطة.
وقد عبر كثير من شعرائنا وشاعراتنا الأماجد في مناسبات مختلفة عن صدق خدمة القيادة لشعبها وتلاحم الشعب معها، بكلمات صادقات مجسدات لهذه اللوحة الفريدة النادرة بين شعوب الأرض، غير أن ثمة أبيات من قصيدة عصماء للشاعر جاسم الصحيح، وهو شاعر مجيد يؤكد اسمه صدق شعره، أهداها مليكنا المفدى خلال لقائه أهالي القطيف والأحساء الأوفياء في قصر السلام بجدة، يوم الأحد 23-11-1434هـ، الموافق 29-9-2013م، إثر احتفائنا بذكرى يومنا الوطني المجيد الثالث والثمانين.. أقول غير أن ثمة أبيات راسخات في الذهن من تلك القصيدة العصماء التي نشرت بجريدة اليوم، العدد 14718، الصادر يوم الثلاثاء 25-11-1434هـ، الموافق غرة أكتوبر 2013م، ص 11، استرجعها هنا ليطرب بها الجميع معي:
يا (خادم الحرمين) بورك موطن
في العالمين ملوكه خدام
وهواه أطيب من رغيف ساخن
في الفجر شمَّت ريحه الأيتام
تتحاور الأحلام فيه فربما
بـ(حوارها) تتجسد الأحلام
هذا هو الوطن الكبير حديقة
منها يفيض على الجهات يمام
للغرب من شرق البلاد تحية
وعلى الشمال من الجنوب سلام
هي (وحدة) خضراء مد جذورها
(عبدالعزيز) وشدّها الإسلام
هي (وحدة) خضراء وهي رصيدنا
في الأرض، لا نفط ولا أوهام
(عبدالعزيز) أقامها متحزماً
بالشعب، فالشعب الوفي حزام
ومضى فما جرح الغياب حضوره
لا غاب ذاك الطول والهندام
فاكمل بشعبك تكتمل، فلطالما
نقصت بغير شعوبها، الحكام
وعوداً على ميزانية اليوم، لهذا العام، الذي وصفته الأمم المتحدة بـ(عام التنمية المستدامة)، فأقرت ثلاثة اجتماعات في يوليو وسبتمبر وديسمبر لوضع العالم على المسار الصحيح الذي يفضي به إلى التنمية المستدامة، أي النمو الشامل المستدام، الذي يعزز متوسط مستوى المعيشة لشعوب الأرض ويحمي البيئة الطبيعية من الفساد، إذ تمثل تلك الرؤية بوصلة تسترشد بها السياسات الوطنية والعالمية حتى عام 2030م.. أقول عوداً على ميزانية هذا العام الجديد، أؤكد مجدداً أن قائدنا خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، حفظه الله وأدام تأييده، قد فاجأ المفاجأة وأدهش الدهشة كعادته دائماً، عندما كلف نائبه وولي عهده الأمين سيدي صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز، حفظه الله ورعاه، برئاسة جلسة مجلس الوزراء مساء الخميس 3-3-1436هـ، الموافق 25-12-2014م، لإقرار أضخم ميزانية في تاريخ بلادنا.
وصحيح.. كان الأمر مفاجأة لجميع المراقبين والمهتمين بالشأن السياسي والاقتصادي، وربما لمعظمنا نحن المواطنين، في ظل ما تمر به المنطقة والعالم أجمع من فتن ومحن وحروب واضطرابات وركود، أثر على كثير من الكيانات الاقتصادية الكبرى في العالم، بما فيها أمريكا نفسها التي ما تزال تعيش أزمة اقتصادية خانقة.. أجل، ربما كان الأمر مفاجأة للجميع، غير أن من عرف عبدالله بن عبدالعزيز، الرجل الصالح الصادق المخلص، المحب لشعبه الواثق بربه، الحريص على استمرار مسيرة الخير القاصدة، وأدرك سعة أفقه وقدرته على استشراف المستقبل، لن يندهش أو يفغر فاهاً مهما سمع من إنجازات لقائدنا، هي أقرب إلى الخيال من الحقيقة.
فهذا هو يؤكد في قمة العشرين (التي تضم مجموعة الدول الصناعية والنامية الرئيسية) الرابعة التي عقدت بمدينة تورنتو الكندية، واختتمت أعمالها مساء يوم الأحد 15-7-1431هـ، الموافق 27-6-2010م، التي جاءت إثر ثلاث قمم سابقة عقدت خلال عام 2009م، عقب الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي شهدها العالم آنئذٍ، ها هو والدنا وقائد مسيرتنا الملك الصالح عبدالله بن عبدالعزيز، يفصح عن نهج بلاده الاقتصادي ويؤكد للعالم ضرورة تبني أفكار جادة وخطط جريئة واتخاذ إجراءات راشدة شجاعة لتجنب كارثة مماثلة، إذ شدد على أهمية إصلاح الأنظمة المالية، مشيراً إلى أن تطبيق أنظمة إشرافية ورقابية صارمة، يعد بديلاً أكثر جدوى من فرض ضرائب على المؤسسات المالية، مطالباً بضرورة تعزيز التجارة العالمية للمساهمة في تسريع وتيرة النمو العالمي، داعياً لمساعدة الدول الفقيرة في تخفيف وطأة الأزمة العالمية عبر زيادة مساعداتها التنموية والإنسانية الثنائية والمتعددة الأطراف، مؤكداً أن قدرة النظام المالي في المملكة على الصمود تعززت عبر السنين بفضل الإجراءات الصارمة والرقابة الاستباقية.
ولهذا، لا غرو إن أجمع كل المهتمين بالشأن الاقتصادي على أن بلادنا أعدت العدة مبكراً لهذا اليوم الذي يشهد انخفاضاً مريعاً في أسعار النفط الذي يمثل (90%) من انتاجها الوطني، باعتمادها احتياطي مالي متين في سنوات الازدهار وتوظيفه في تأسيس البنية التحتية في مختلف المناطق.
وتتمتع اليوم باحتياطي نقدي كبير، يناهز سقف الثلاثة تريليونات ريال، إضافة إلى قطاع بنكي متين يستطيع سد أي فجوة قد تحدث لأي طارئ، وتنتهج سياسة نقدية متزنة فيما يتعلق بتوجيه دفة اقتصادها في الداخل والخارج، مما جعلها نموذجاً ريادياً لمنظمة الأوبك، وجعل اقتصادنا يحقق بحمد الله معدلات نمو أعلى من الاقتصاد العالمي من خلال خطط التنمية والحد من تأثير سلبيات الاقتصاد العالمي علينا. فأمنت لنا هذه السياسة المالية الحصيفة، حماية جيدة ضد أي أزمة اقتصادية قد تواجه العالم في سنوات انخفاض أسعار النفط.
ولهذا، كل من يراقب أداء بلادنا الاقتصادي وما حققته من تنمية وتقدم في كافة المجالات خلال هذا العهد الزاهر، وارتكاز منهجها التنموي على عدة محاور أساسية ثابتة في اقتصادها، أهمها التنمية الشاملة المتوازنة وتحسين جودة الخدمات التي تقدمها الدولة للمواطن، والحرص على توفير مزيد من الفرص الوظيفية له بالقطاعين العام والخاص على حد سواء، لاسيما تنمية العقول ورعايتها التي تحظى بأكثر من ثلث الميزانية، يكاد يصاب بالدوار من ضخامة ما تحقق من إنجازات هائلة، حولت سائر أرجاء بلادنا من شرقيها إلى غربيها ومن شماليها إلى جنوبيها، إلى ورشة هائلة كما تقدم.
وبلغة الأرقام، نجد أن ميزانية بلادنا خلال هذه العشر سنوات الخضر، منذ تولي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز دفة قيادتها في غرة أغسطس عام 2005م حتى اليوم، لم تسجل عجزاً إلا ثلاث مرات: عام 2009م (87 مليار ريال) إثر التدهور الكبير الذي شهدته أسعار البترول والأزمة المالية التي عصفت بالعالم كله، وهي الحادثة التي أصفها بـ(الضارة النافعة) إذ انتبهت بلادنا لمثل هذه الأحداث، فانتهجت سياسة مالية معاكسة للدورات الاقتصادية لتعزيز موقفها المالي العام وضمان استدامته على المديين المتوسط الأجل وطويله، لضمان مواصلة اعتماد المشروعات التنموية والخدمية الضرورية للنمو الاقتصادي، وهو الأمر الذي حدث بالضبط في ميزانية هذا العام، وكأن من وضعوا هذه السياسة المالية الراشدة، كانوا يقرأون المستقبل اليوم بعين ثالثة.
والمرة الثانية كان العام الماضي (45 ملياراً) الذي تصرمت أيامه قبل قليل، وقد عزا الدكتور إبراهيم بن عبدالعزيز العساف، أثناء اللقاء الشيق الماتع الذي أجراه معه التلفزيون السعودي مساء اليوم نفسه الذي صادق فيه مجلس الوزراء على الميزانية، أسباب العجز في ميزانية العام الماضي، لزيادة المصروفات بشكل كبير، نتيجة الإنفاق المتسارع على مشروع خادم الحرمين الشريفين لتوسعة المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف وبعض المشروعات الأخرى. أما المرة الثالثة التي أسأل الله سبحانه وتعالى أن تكون الأخيرة التي تسجل فيها ميزانية بلادنا عجزاً (قل أو كثر) فهي ميزانية عامنا هذا 36 - 1437هـ (2015م) الذي دشناه للتو، إذ قدر حجم العجز بمائة وخمسة وأربعين مليار ريال. وبالطبع لا أحسب أنني في حاجة لتوضيح السبب، إذ يدركه الجميع. أما الخبر الآخر الجيد في لغة الأرقام كما يقولون، فهو تقليص حجم الدين العام من (82%) عام 2003م، من إجمالي الناتج المحلي، إلى (1.6%) بنهاية العام المنصرم، مسجلاً أقل ديناً سيادياً على مستوى العالم.
لكن يبقى التحدي الحقيقي في إصرار القيادة الرشيدة حفظها الله على استمرار مشروعات التنمية والتطوير بالوتيرة نفسها، لاستكمال المشروعات السابقة وتنفيذ أخرى جديدة، لاسيما ما يتعلق منها بالتعليم والتأهيل والتدريب والرعاية الصحية والاجتماعية، وتوفير فرص العمل لأكبر عدد ممكن من العاطلين من الجنسين، رغم هذه الظروف الاقتصادية والسياسية المعقدة التي تعصف بالمنطقة.
ولا بد أن يكون كل من تابع لقاء وزير المالية الدكتور العساف مع التلفزيون السعودي الذي أشرت إليه آنفاً، قد اطمأن إلى قدرة اقتصادنا على تنفيذ توجيهات مليكنا المفدى بالاستمرار في مشروعات التنمية مدعوماً بموجودات تلك الصناديق المالية العديدة التي أنشأتها الدولة عبر حكوماتها المتعاقبة، كصندوق التنمية الزراعية، وصندوق التنمية الصناعية، والصندوق السعودي للتنمية، وبنك التسليف والإدخار، وصندوق الاستثمارات العامة الذي يعد الصندوق الأساسي في هذه المجموعة.
وحتى في ظل هذه الظروف، ما كان لدولة رائدة كالمملكة العربية السعودية، وقيادة كقيادتها صاحبة رسالة سامية، أن تتخلى عن مسؤولياتها الأخلاقية والأدبية تجاه الإخوة والأشقاء والأصدقاء وكافة شعوب العالم. فقد شهدنا دعمها المتصل للإخوة في دول (الخريف العربي) الذين يتعرضون لأسوأ مأساة إنسانية في حياتهم بسبب التحزب والتشرذم والتطرف، بل والجهل والتعنت الذي حول حياتهم إلى جحيم، لاسيما الأطفال والنساء وكبار السن الذين تشردوا فافترشوا الأرض والتحفوا السماء عند حدود الدول المجاورة، فقدمت لهم بلادنا دعماً سخياً في العراق وسوريا ولبنان وباكستان وفلسطين ومصر، إذ حملت إلينا الصحف الصادرة يوم السبت 5-3-1436هـ، الموافق 27-12-2014م، أي اليوم الثاني لإعلان الميزانية، في صفحاتها الأولى، بل أول عناوينها، تأكيد وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونرا) تبرع المملكة بـ(12) مليون دولار عبر الصندوق السعودي للتنمية لإعادة إعمار مدارس أطفال غزة التي دمرتها الحرب الصهيونية الأخيرة وتأثيثها. كما جاء في تقرير وزارة التخطيط المصرية السنوي أن المملكة قدمت خلال عام 2014م، دعماً مالياً وعينياً قدر بـ(8.6) مليار دولار، الأمر الذي ساعد الأشقاء في أرض الكنانة على اجتياز آثار الثورات المتتالية وإفرازتها، كما زاد معدل النمو.
فضلاً عما اطلعت به قيادتنا الرشيدة من دور سياسي مهم لحل الخلافات العربية ورأب الصدع بين الدول الخليجية وحل الخلافات في لبنان وعودة العلاقات مع العراق والسعي الحثيث على كل المستويات لحل أزمة الأشقاء في سوريا وفلسطين واليمن وليبيا ومصر وتونس والسودان ومواجهة الإرهاب، ودعوة خادم الحرمين الشريفين والد العرب اليوم وكبيرهم وحكيمهم وقائدهم الصادق المخلص، للعلماء والمفكرين والإعلام بكافة أشكاله، المساهمة في هذه الجهود لتنقية الأجواء وتعزيز اللحمة وتوثيق التضامن العربي لمواجهة التحديات الراهنة والمستقبلية، لإدراكه حفظه الله أن ما يحدث في منطقتنا هدفه النيل من هويتنا وعقيدتنا.
أما ما يروج له البعض في مختلف وسائل الإعلام، من وجود رائحة مؤامرة سعودية - أمريكية بهدف انخفاض أسعار النفط لأدنى مستوى ممكن للإضرار بدول مثل إيران وروسيا لأسباب سياسة، فزعم مردود على أصحابه، لعدة أسباب، أهمها: أمريكا أول المتضررين اليوم من انخفاض أسعار النفط بشهادة جميع المختصين والمهتمين. كما أن السعودية أيضاً تضررت إذ يمثل النفط (90%) من صادراتها للعالم الخارجي، وهذا أيضاً معلوم بالضرورة للجميع، أضف إلى هذا أن السعودية دولة ذات رسالة، همها كله تحقيق الخير للجميع، كما أنه لم يعرف عنها عبر تاريخها الطويل منذ تأسيسها في مختلف عهود قادتها الكرام الكبار، الميل إلى المكايدة السياسية والاصطياد في الماء العكر وانتهاز الفرص للإضرار بالآخرين، لسبب جد بسيط، يتلخص في إيمانها القاطع بأن في كل ذات كبد رطبة أجر، ناهيك عن الإنسان الذي كرمه الله على جميع خلقه، ومن كان مثل هذا المبدأ في صميم جوهر رسالته، فلا يمكن إلا أن يكون يداً للخير وعوناً وسنداً في الظروف الصعبة حتى لمن يختلف معهم، كما يفعل قادة السعودية دائماً، والشواهد أكثر من أن تحصى.
بل على العكس تماماً مما يروج له البعض من محاولة السعودية الإضرار ببعض الدول بالتحالف مع أمريكا والعمل على انخفاض أسعار النفط، أرى بكل تواضع، أن السعودية خصوصاً، ودول الخليج عموماً، هي المقصودة بانخفاض أسعار النفط من مدبري مؤامرة كبيرة، يسعى منفذوها للنيل من العالم العربي وتحطيمه وإعادته إلى القرون الوسطى، ليظل مصدراً للثروات وسوقاً رائجة لتجارتهم من السلاح ومختلف المنتجات، والدليل أنهم بدأوا بإشعال الحريق في نصف دول العالم العربي تقريباً في موجة عارمة قضت على الأخضر واليابس عرفت بـ(الخريف العربي) الذي أفضى إلى دمار وحروب أهلية ما تزال نيرانها تشتعل في العراق وسوريا ولبنان وفلسطين ومصر وليبيا وتونس والسودان واليمن.
ولما أعيت الحيلة مدبري تلك المؤامرة الدنيئة إشعال فتيل الأزمة في دول الخليج العربي، لإدراكهم قوة تلاحم الشعوب مع قادتهم لجأوا للضرب في المكان الذي يوجع كما يقولون (الاقتصاد) لكي تعجز حكومات الخليج عن الوفاء بالتزاماتها تجاه شعوبها. فتنتفض، ومن ثم تشتعل المنطقة لا سمح الله، على شاكلة (الخريف العربي) فيكتمل لمدبري المؤامرة تحقيق هدفهم، لكن هيهات.. هيهات، أنى لهم النيل من هذه اللحمة المتينة التي جعلت شعوب الخليج حكاماً ومحكومين جسداً واحداً، يسعى اليوم جاداً لتشكيل اتحاد عصي على الاختراق، كما أثبتت الدورة الخامسة والثلاثون للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية التي عقدت في العاصمة القطرية (الدوحة) خلال شهر صفر الماضي.
وبعد:
نحمد الله المنعم الوهاب أننا ننعم بقيادة واعية مدركة، محبة لنا، حريصة على تحقيق سعادتنا، وبالطبع يجب أن يكون هذا الخير الوفير حافزاً كبيراً لنا للتفرغ للعمل والإنتاج والحرص على تنويع مصادر دخلنا، حتى تدخل منتجاتنا كل بيت في العالم، والحذر من خيانة الأمانة وتعثر المشروعات الذي رأى فيه بعض المحللين الاقتصاديين أن ما يتركه من أثر سلبي على اقتصادنا، قد يفوق أثر تراجع أسعار النفط وانخفاضها إلى هذا المستوى الذي لم تشهده منذ عام 2009م.
وأخيراً، ليعلم مدبرو المؤامرات الذين يسعون للنيل من هويتنا وعقيدتا، أن زمن العربي البدوي الهائم على وجهه في الصحراء قد ولى إلى غير رجعة، وأصبحنا اليوم بفضل الله، ثم بفضل حكمة قادتنا وصدق نيتهم وإخلاصهم وسواعد شعبنا، أمة قوية مهمة، يعمل لها العالم ألف حساب، بل يتودد إليها بكل الحيل لخطب ودها، لاسيما إذا أدركنا أن (60%) من قدرة توليد الطاقة في دول الاتحاد الأوروبي سوف تحال إلى التقاعد خلال ربع القرن المقبل.
وأختم كالعادة، بالتأكيد على أن ميزانية الدولة السعودية سوف تظل على الدوام تشهد تحدياً يفاجئ المفاجأة ويدهش الدهشة.. فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.