تمهيداً؛ سيكون إيراد الأمثلة السريعة لما حدث مؤخراً من وقائع المُخْتَلّين والمُعْتَلّين عقلياً ونفسياً، تأكيد للمخاطر الناجمة والمتوقعة جراء ترك هذه الفئة دون رعاية بضوابط معتمدة للحد من المآسي المُفْجِعة على أيديهم، ثم نَلِجُ كَرّة أخرى للموضوع ليتم تناوله كل مرة من زاوية مختلفة، وسيستمر الحديث عنه (في نظري من عدة أقلام) وتبيان مخاطره الأسرية الاجتماعية، ففي مكة المكرمة تمكّنت دوريات الأمن والدفاع المدني من تحرير عائلة كانت مُحتجزة بمنزلها بعد أن هدّدهم أحد أقاربهم المعتل نفسياً بالحرق وهو يحمل أسطوانة بوتاجاز، وألقت الجهات الأمنية بمحافظة الحجرة بالباحة مؤخراً القبض على ثلاثيني اعتدى على والدته السبعينية بالضرب المُبرح، وأظهرت التحقيقات أن الشاب يحتاج للإحالة إلى مستشفى الصحة النفسية بعد ملاحظة تضارب أقواله وعدم اتزان شخصيته، وفي الرياض كشفت الشرطة أن مؤذن الأرطاوية الذي قتل عامل المسجد عصراً تعتريه متاعب نفسية ويتلقى العلاج بمجمع (الأمل)، إذن هي حالات مهملة كما يبدو دون ضوابط، فلا يكفي صرف العلاجات لهم دون متابعتهم ومراقبة سلوكياتهم، ودرجات خطورتهم على المحيطين بهم، حتى لو استدعى الأمر إيواءهم بمصحّات تليق بهم كمواطنين لهم حق الرعاية والاهتمام، وتنظيم زياراتهم بالتعاون مع ذويهم بطرق حضارية علمية تستند إلى نتائج دراسات حالاتهم من قِبَل المختصين، ومما قرأت من أحكام الشرع تجاه هذه الفئة؛ أسئلة وُجّهت إلى أحد المختصين منها: هل يَحلّ للأهل تزويج ابنهم وهو مشكوكٌ في شفائه، وهل يَجوزُ لأهله إيداعُ مبلغ من المال في مصرِف كوقفٍ للإنفاق من فائدته على هذا المريض، وهل يكون من مصارف الزَّكاة الصَّحيحة إنشاء وتعمير المستشفيات النفسيَّة والعقليَّة والنفقة على العاملين بِها لرعاية مثل هذه الحالات، وسؤال (أراه عجيباً) إذ يقول: هل يُجيز الإسلام قتْلَ المريض عقليًّا مِمَّن لا يُرْجى شفاؤُهم وتُمَثّل حياتُهم تَهديدًا لحياة مُخالطيهم؟ فلم يُجِز المُجيب مسألة الزكاة ولا الوقف ولا قتل المريض، أما التزويج (فمسألة فيها نظر)، وعن الحكم الشرعي في جرائم المعتلين نفسياً وإمكانية إيقاع العقوبة عليهم، قال مُختص: أن الأمر يرجع لما يُسمّى (الطب النفسي الجنائي) وإن محاولة أسرة الجاني لإقناع الطبيب بأنه مريض نفسي للتهرب من محاكمته؛ يدخل في باب التزوير للإفلات من العقاب، مما يُعد خللاً أخلاقياً وتشيعاً على الجريمة، أما عن أهم القضايا التي تسقط عن الجناة بالمحاكم في حال ثبوت المرض النفسي، فقد قرأت لأحد المحامين قوله: إنها تختلف باختلاف مستوى المرض النفسي ودرجته ومدى خطورته ومدى إدراكه للأفعال التي يقوم بها، وكذلك بحسب نوع القضية، فليس جميع المرضى النفسيين غير قادرين على تمييز أفعالهم، فالإعفاء من العقوبة يعتمد على درجة عدم إدراك الجاني بسبب مرضه النفسي والعقلي لما فعله من جريمة، وقد سبق الإسلام كل العلوم الحديثة في وضع الأسس للمعاملات الإنسانية في كل مجال وتتضمن الشريعة الإسلامية تعاليماً وأحكاماً لحل المشكلات المستجدة والطارئة، فحري بأهل الشأن والاختصاص المؤهلين الثقات الاعتكاف على استنباط قواعد وأنظمة شرعية من شأنها معالجة مثل هذه المسائل، وعدم تركها للاجتهادات الأسرية والأعراف الاجتماعية.