الجريمة الإرهابية الوحشية التي ارتكبتها أيدٍ آثمة بحق الوطن والمواطن في مركز سويف بعرعر، يجب أن توقظ الجميع وتنبهنا إلى حجم الأخطار التي تهدد الوطن على يد المتطرفين، الذين يشحنون نفوس الشباب بالفكر المتشدد، ويحببون إليهم الإرهاب ويحثونهم على ممارسته تحت مسمّيات دينية يتعسفون تفسيرها، ويقدمونها للشباب في قوالب تبدو مثالية ومغرية في سنٍ حرجة من أعمارهم، قد لا يستطيعون فيها التمييز بين الصواب والخطأ.
هؤلاء الذين يشحنون الشباب بالفكر المتطرف هم أخطر من الإرهابيين الذين يقترفون جرائم الإرهاب. وما الإرهابيون إلا أدوات طيِّعة تم تجريدها من القدرة على التفكير العقلاني بسبب ما تتعرض له من شحن، على يد أشخاص لا يخفون ميولهم الحقيقية، ويعلنونها على المنابر وفي المجالس، دون أن يجرؤ أحدٌ على إيقافهم عند حدهم والاعتراض على طروحاتهم الخطيرة التي يوهمون الناس بأنها تقوم على مفاهيم إسلامية.
الجريمة الإرهابية التي وقعت في مركز سويف مؤلمة على المستوى الإنساني والوطني، لأننا فقدنا خلالها بعض أبناء الوطن ممن يحرسون حدودنا، وهؤلاء تركوا خلفهم أطفالاً أيتاماً وزوجات مترملات ووالدين مكلومين. لكن ما لا يقل عن ذلك فداحة هو أن الوطن بكاملة يتعرض للخطر، وكل المكاسب التنموية التي تم تحقيقها على مدى عشرات السنين، يُراد لها أن تُصادر وفق النموذج الطالباني في أفغانستان والداعشي في سوريا والعراق. هؤلاء يريدون العودة بنا إلى زمن ما قبل التنمية، وزمن ما قبل الجامعات والعلوم ومراكز البحوث والدراسات. وكل ذلك يتم تحت شعارات دينية مغلوطة تسيء إلى الدين الإسلامي العظيم.
ما حدث في عرعر يجب أن يفتح العيون على الخطر الماحق الذي يهدد الجميع بسبب الأفكار المتطرفة الإرهابية التي يتم الترويج لها علناً من أشخاص يعرفهم الجميع لأنهم لا يخفون نواياهم. أشخاص محاطون بالأتباع والمريدين الذين يجاهرون بعداوتهم لكل ما هو جديد في مجتمعنا، ويخترعون التبريرات والتنظيرات التي تسمم أفكار الشباب، فتجعل من الطبيب الشباب المتخرج حديثاً من الجامعة، مجرد حزام ناسف يتفجر بشكل عبثي في العراق وسوريا، بينما وطنه الذي أنفق الأموال الطائلة على تعليمه بأمسّ الحاجة إلى خدماته الطبية، التي لازلنا نعتمد في تقديمها على الأطباء الوافدين من كل بلدان العالم، بينما بعض شبابنا الأطباء تدير عقولهم فئات داعشية ليس لها علاقة بدنيا الواقع ولا بالفهم الحقيقي للدين.
بصراحة، نحن نجني ما زرعناه! ويجب ألاَّ نستغرب مما وقع في عرعر، فمن يزرع الريح لا يجني سوى العاصفة. نحن بحاجة إلى يقظة حقيقة تتعامل بمسؤولية وطنية مع الفكر الداعشي المتطرف بجميع مسمياته المختلفة الظاهر منها والباطن.