السلطة الرابعة مصطلح يطلق على الصحافة بشكل خاص وعلى وسائل الإعلام عامة، ويستخدم المصطلح اليوم في سياق إبراز الدور المؤثر لوسائل الإعلام في تعميم التوعية والمعرفة والتنوير بين المجتمعات، كما يستخدم أيضاً في تشكيل الرأي العام وتوجيهه، والإفصاح عن المعلومات، ومناقشة القضايا الحيوية ومعالجة المشكلات الهامة التي تمس المجتمع، كما تستخدم الصحافة أيضاً لتمثيل الحكومة عند الشعب، وتمثيل الشعب عند الحكومة، وتمثيل الأمم عند بعضها البعض. ومنذ أول ظهورٍ مشهورٍ لمصطلح السلطة الرابعة في منتصف القرن التاسع عشر، استخدم المصطلح بكثرة انسجاماً مع طفرة الصحافة العالمية منذ ذلك الوقت ليتخصص معناه أخيراً على مفهوم الصحافة فقط. وحرية الصحافة والتعبير يمكن تعريفها بأنها الحرية في التعبير عن الأفكار والآراء عن طريق الكلام أو الكتابة أو الأعمال الفنية المختلفة بدون قيود أو رقابة حكومية بشرط ألّا يمس مضمون الأفكار والآراء أو طريقة التعبير ثوابت المجتمع ومعتقداته أو تخرق أعراف الدولة وقوانينها، ورسم الحدود لحرية الصحافة والتعبير من القضايا الحساسة والشائكة، لأن الحدود التي ترسمها الدول المانحة لحرية الصحافة والتعبير تعجز عن مواكبة المتغيرات والمستجدات مع مرور الزمن والتطور التكنولوجي وظهور الإنترنت الذي أدى إلى الانفجار المعرفي وثورة المعلومات، وألغى حدود المكان وحيز الزمان فأصبح العالم مجتمعاً واحداً بعد أن قرَّبت وسائل التكنولوجيا مسافاته، وأصبحت المجتمعات مرتبطة ببعضها البعض وتتأثر ببعضها البعض كالقرية الصغيرة في عصر العولمة، الذي نتج عنه طغيان حرية الصحافة والتعبير بشكل كبير وصل إلى حد السخرية والهجاء والإساءة إلى الأديان السماوية والمعتقدات المقدسة، فأثار ردود فعل عنيفة بين الطوائف الدينية المختلفة التي استفزتها حرية الصحافة والتعبير، لأن خرق الأعراف والقوانين الخاصة في المجتمعات باسم حرية الصحافة والتعبير يعتبر شكلاً من أشكال التطرف، ويقصد به الخروج عن المألوف وانتهاك الثوابت السائدة في المجتمع والخروج على أفكار التيار العام ومبادئه وأهدافه، وأشدها وأكثرها استفزازاً الإساءة إلى ديننا الإسلامي ومعتقداتنا المقدسة وتراثنا، ينتج عنه ردود فعل غاضبة من جميع المسلمين، بلا استثناء، يتراوح من الشجب والاستنكار إلى الغضب الشديد والتطرف الذي يصل إلى حد العنف، الذي يمكن أن يتحول مع مرور الوقت إلى إرهاكالهجوم الدموي على المجلة الفرنسية الساخرة (شارلي إبدو) بعد عدة سنوات من نشرها رسومات كاريكاتيرية ساخرة ومسيئة إلى ديننا الإسلامي، وهذا الاستفزاز بحجة حرية الصحافة والتعبير التي تعتبر من مخرجات العولمة جعل مجتمعات العالم الغربي في مأزق لأنها تمجد حرية الصحافة والتعبير وتعتبرها ركيزة من ركائز الديمقراطية الحديثة في عصر العولمة، ولكن من ناحية أخرى نجد أن العالم الغربي يوجد بداخله مجتمعات مسلمة مندمجة فيه - مثلاً في فرنسا يزيد عددهم على 6 ملايين مسلم - ومتمسكه بقيمها وتراثها ومعتقداتها الإسلامية المقدسة في عصر العولمة، وكباقي المسلمين في جميع أنحاء العالم هذه المجتمعات المسلمة المندمجة في العالم الغربي ترفض حرية الصحافة والتعبير التي تستفزها من خلال السخرية والهجاء والإساءة لديننا الإسلامي؛ وفي هذه الحالة يصبح العالم الغربي معرضاً لمخاطر الصراع بين الصحافة والتعبير المتطرف على الدين الإسلامي الذي رمزت له صحيفة شارلي الساخرة بكاريكاتير القلم، وبين رد الفعل المتطرف نتيجة الإساءة والاستفزاز الديني الذي رمزت له نفس الصحيفة بكاريكاتير رشاش الكلاشنكوف، والاعتداء على صحفيين أو مؤسسة صحفية تظل جريمة إرهاب حتى ولو كانت نتيجة إساءة واستفزاز ديني، ولكن في نفس الوقت يجب على العالم الغربي أن يستخلص الاستنتاجات التالية: أولاً: ضرورة رسم الحدود التي تنظم حرية الصحافة والتعبير وترفض الإساءة إلى الإسلام والأديان الأخرى. ثانياً: أن حشود التضامن ومسيرات التأييد من أنصار حرية الصحافة والتعبير يجب أن تفكر بقلوب واعية وتستمع بآذانٍ صاغية لأولئك الرافضين لحرية الصحافة والتعبير المستفِزة التي أساءت إلى الإسلام بالسخرية والهجاء تحت مسمى حرية الصحافة والتعبير. ثالثاً: يمكن تجنب الاستفزار الديني للمسلمين بجميع أشكاله وأنواعه عن طريق التوازن بين حرية الصحافة المعتدلة والتعبير المنصف وبين الصحافة المتطرفة التي تسيء إلى معتقدات المسلمين. رابعاً: نشر التوازن وتأصيله في مجتمع العالم الغربي سيلعب دوراً فعالاً في كبح جماح التطرف بنوعيه: تطرف الصحافة والتعبير الذي رُمز إليه بالقلم، ورد الفعل المتطرف الذي رُمز إليه برشاش الكلاشنكوف. وهذه الاستنتاجات المستخلصة يجب على العالم الغربي أن يترجمها عملياً على أرض الواقع لمنع الاستفزاز الديني على المسلمين بحجة حرية الصحافة والتعبير.
الخلاصة:
إن المجتمعات الإسلامية المعتدلة تتفق على معاقبة المتطرفين الذين يرتكبون الإرهاب باسم الدين الإسلامي، ويبقى على مجتمعات العالم الغربي أن تصدر النظم والقوانين التي تمنع حرية الصحافة والتعبير من الإساءة إلى الإسلام.