نفرح عندما نرى إنجاز أبنائنا وبناتنا طلاب التعليم العام بحصولهم على جوائز في المحافل المختلفة، ونشيد بجهود موهبة وغيرها في الاهتمام بالفئة النابغة - أو هكذا يفترض- والمميزة بالرعاية والاهتمام. تلك الفئة المتميزة، كم تشكل من طلابنا؟ خمسة في المائة أو أقل أو أكثر قليلاً؟
في الطرف الآخر هناك الطلاب والطالبات المتعثرين والمتسربين والمتدنية مستوياتهم، ومن يعانون من عدم تقدير الذات وصعوبات التفاعل والتعامل الإيجابي مع المجتمع والبيئة وغير ذلك من أنواع التأخر. كم تبلغ نسبتهم؟ ماذا نقدم لهم من برامج واهتمام؟
بإمكان أحدهم أن يجادل بأن نسب التسرب لدينا متواضعة والتعثر قليل في مدارسنا، ويستطيع إثبات ذلك بالأرقام، لأن الواقع المؤلم هو أننا لسنا قادرين على رصد هذا الأمر. المقياس الوحيد لدى بيروقراطي التربية هو الانتقال من صف لآخر والجميع أصبح ينتقل من سنة لأخرى - ويسمونه ناجحاً - بشكل تلقائي أو بجهد متواضع. تعليمنا لم يعد مهتماً، أو لا يجيد إحصاء، أو يخفي التعثر والتسرب والمشاكل الطلابية بشكل دقيق. لا يوجد نظام يجبر المدرسة والأسرة على متابعة طالب أو طالبة المتوسطة أو الثانوية عند تكرار غيابه، وأستغرب وجود طلاب يغيبون لأسابيع ولا أحد يسأل عنهم، طلاب لا يكملون السنة الدراسية ولا أحد يسأل عنهم. يوجد طلاب كثر يتعرضون للإيذاء ولا أحد يحميهم، طلاب منعزلون ولا أحد يساعدهم للاندماج في المجتمع، طلاب يتعاملون بأساليب العصابات مع الآخرين ولا أحد يصحح سلوكياتهم، طلاب يعانون مشاكل نفسية وصحية واجتماعية ولا أحد يكتشفهم أو يساعدهم.
أستطيع القول - حتى وإن لم أملك الأدلة الإحصائية- بأن نسبة جيدة من بناتنا وأولادنا لديهم مشاكل نفسية واجتماعية ودراسية شتى ولا يوجد لهم خدمات منظمة ومتطورة تستحق التنويه في هذا المجال وتتناسب مع أعمارهم واحتياجاتهم المختلفة.
مهمة التعليم العام الأساسية هي العناية بجميع أبنائنا وبناتنا وتقديم التعليم والتربية اللازمين لهم جميعاً وفق المعايير المطلوبة. لست ضد برامج الاهتمام بالموهوب والمتميز، لكن إنقاذ إنسان من الفشل أولى من تمييز آخر هو في الأساس وصل التميز وتفوق. فشل طالب قد يقوده للسلوكيات المنحرفة ويجعل منه إرهابياً وعبئا على الأسرة والمجتمع. معاناتنا الاجتماعية في أولئك الذين لم نجد تربيتهم وتعليمهم وأهملنا مشاكلهم ولا أريد أن نخدع أنفسنا بحفلات التكريم للمتميزين وننسى أننا معنيون بالجميع ومعنيون بانتشال الفاشل والمتعثر والراسب والمتسرب والمريض النفسي والذي يعاني اجتماعياً ووضعه على طريق النجاح الطبيعي في الحياة.
النظم التعليمية المتقدمة لا تفتخر ببروز عدد قليل من طلابها، بل بما تقدمه لجميع طلابها وطالباتها. أتمنى أن أرى وزارة التربية والتعليم تعلن نسب المتعثرين والمتسربين ومن يعانون صعوبات ومشاكل نفسية واجتماعية وسلوكية وتعليمية وأن تضع برامج ضخمة للعناية بالمتعثرين أو من يعانون صعوبات أضعاف ما تضعه للعناية بالموهوبين. لا أحسد الموهوب، أفرح به وأكرر ضرورة العناية به، لكن يؤلمني هؤلاء المتواضعة مستوياتهم والفاشلين تعليمياً في مدارسنا وكلياتنا وجامعاتنا. العناية بكل طالب وطالبة، مهما كان موقعه ومستواه الاجتماعي هو مكسب للوطن وللأسرة وللمجتمع.
تذكروا أن خلف كل مجرم أو مخالف أو مصاب بالمشاكل الاجتماعية والنفسية قصة إهمال وعدم عناية بتنشئته والاهتمام به وعلاجه في صغره وشبابه ونظامنا التعليمي مسؤول عن ذلك بشكل كبير.