عطفاً على مقالي «عرب كندا: مهاجرون متعبون وسفارات غائبة»، جاء اتصال صديقي من واشنطن يشكي حالاً مشابهاً.. قد نعتبر كندا -بالرغم من كونها تحتضن أكبر نسبة من المهاجرين العرب- لا تحتل الأولويات في الأجندة السياسية والاقتصادية العالمية بصفة عامة والعربية بصفة خاصة، فماذا عن واشنطن؟.. رغم الإرث السياسي في العلاقات العربية بصفة عامة ودول الخليج بصفة خاصة بالولايات المتحدة فإن الحضور الثقافي العربي في العاصمة واشنطن لم يرتق ليوازي مثيله في بعض العواصم الأوروبية كلندن وباريس. وهي مفارقة يمكن تحليلها بأن الحضور الثقافي الخليجي بصفة عامة ليس فاعلاً على المستوى التاريخي، مقارنة بالحضور العربي الآخر. باعتبار الحضور الثقافي العربي في أوروبا زرعه المثقفون العرب الأوائل وعلاقة دول الاستعمار الأوروبية بالدول المستعمرة العربية في السابق.
تصدر من لندن المجلات والصحف العربية الكبرى ولكن لا صحيفة مرموقة تصدر من واشنطن أقوى شركائنا في الاقتصاد والسياسة والحضور الطلابي. فما هي يا ترى الأسباب وراء ذلك؟.. لماذا لا يتواجد الحضور العربي الثقافي في أقوى العواصم العالمية، واشنطن؟.
يبدو أن سفارتنا بواشنطن لا تولي هذا الجانب أهميته، وبالتالي هي لا تدعم نشاطات مؤسسية ثقافية في العاصمة الأمريكية. حتى القاعة التي دشنت باسم قاعة الملك عبدالله كنا نتوقعها ستكون مقراً ومعلماً ثقافياً يتبنى النشاطات الثقافية العربية المختلفة، وبعد افتتاحها العام الماضي لم نعد نسمع شيئاً عنها.
هناك مؤسسات بحث أمريكية تهتم بالبحث والدراسات المتعلقة بالعالم العربي وسياساته، وبعضها يحظى بدعم متواضع من هنا أو هناك من السفارات العربية، كما يوجد مراسلي أخبار، لكن ليس ذلك ما نعنيه.. بل نطالب بحضور ثقافي عام تفاعلي يناقش فيه المثقف همومه العربية الدولية وتصدر صحفه ونشراته التي تمثل حلقة وصل بين الثقافة واللغة العربية ومثيلتها الأمريكية.
في كل مرة نستحضر فيها النشاط الثقافي الدبلوماسي نستذكر سيرة الراحل غازي القصيبي حينما كان سفيراً بلندن ونستحضر فيها صحفاً ومحطات عربية كان ولا يزال لها صوتها العربي في لندن كصحيفة الشرق الأوسط اللندنية السعودية ومحطة الأم بي سي السعودية الللندنية، وغيرها. فلماذا لا تفعل سفارتنا بواشنطن نشاطات ثقافية مشابهة لتكون بيت العرب الثقافي بواشطن؟.. لماذا لا تؤسس صحف عالمية عربية بواشنطن؟ لماذا لا تكون لنا محطات عربية أو فروع محطات تبث من واشنطن؟.
الثقافة والحضور الثقافي والفني ليس ترفاً في العلاقات الدولية وفي الشأن السياسي، بل هو ذراع مهم يمثل أحد أوجه السياسة الناعمة التي تتبعها الدول لترسيخ حضورها ولتشكيل صورة ذهنية متقدمة عن مجتمعاتها، لذلك يجب أن تحظى باهتمام كاف من قبل سفاراتنا.
البعض يفرح بما تقوم به بعض الأندية الطلابية ببعض المدن الأمريكية لكن ذلك لا يرتقي للفعل الثقافي المستدام ذي الأبعاد المتطورة التي ننشدها. وللإيضاح فالأندية الطلابية تقوم بجهود تشكر عليها بالذات في الجانب الاجتماعي وقد أسست لخدمة الطلاب بالدرجة الأولى ووفق ذلك هي تعمل وتتحرك بما يتفق و قدراتها من قبل طلاب متطوعون تحكم أنديتهم ضوابط ونظم محددة بعلاقتها بالهموم الطلابية.
ربما تكون رسالتنا إلى أصحاب السمو والمعالي وزارء الخارجية والثقافة والإعلام والتعليم العالي، لإعادة رسم إستراتيجتنا الثقافية الخارجية وتفعيلها، بالذات في عواصم القرار الكبرى.
ولنا عودة للكتابة حول تلك الإستراتيجية المقترحة.