منذ الأزل ومنذ احتاج الإنسان للاستعانة بإنسان آخر لإنجاز عمل ما عرف الأجر الذي لم يكن دائمًا شكلاً من أشكال النقود فقط، بل إنه كان طعامًا أو كساءً اوآنية أو غير ذلك مما له قيمة أو منفعة، والأجر بصورة عامة هو قيمة الجهد الذي بذل لتحقيق منفعة من العمل، فلا أجر لعمل لا يحقق منفعة، هذه القاعدة من المسلمات الاجتماعية عندما تصبح العلاقة بين العمل والمنفعة مباشرة، ولكن الأمر يتعقد عندما يصبح تحقيق المنفعة يعتمد على تضافر عدة جهود وتكاملها التي تكون في صورة نشاطات مؤسسية تمثل الأعمال اليومية في المؤسسات الحكومية والخاصة، حيث تبرز تحدّيات تحديد المنفعة المباشرة لكل جهد وتحديد قيمة المنفعة الناتجة من كل جهد قياسًا بقيمة منفعة الجهود الأخرى، ويصبح النفع غير محصور بالجهد فقط فيكون للفكر منفعة وللإدارة والتوجيه والقيادة والرقابة، وهذا يجعل القيمة المضافة للنشاط المؤسسي برمته مشاعة بين أفراد المنظمة.
من التحدّيات التي تواجه التوظيف بصورة عامة هو تحديد قيمة المنفعة الناتجة من الوظيفة، لذا بات ما يعرف بـ»التطوير المؤسسي» وهو من أكثر نشاطات إدارات الموارد البشرية أهمية حيث يتم من خلاله تحليل نواتج العمل وتحديد المدخلات، ثم تقسيم العمل بين عدة وظائف وتوصيف كل وظيفة وتحديد متطلبات تلك الوظائف من المهارات والمعارف وبناء على ذلك تحدد الأجور التي عادة ما تكون نتيجة مقارنة بالسائد في سوق العمل، وحيث يحدد الأجر بما هو متوقع من منفعة يضيفها الموظف وليس لما هو ناتج فعلاً، لذا تبرز الحاجة لقياس ناتج الموظف بما موصوف في وظيفته، وعندما لا يحقق الموظف ذلك المتوقع منه فهو يخفق في تحقيق المنفعة وبالتالي تختل العلاقة بين الأجر والجهد المبذول، وهذا ما يجعل إدارة المنظمة تنظر في تقييم ذلك، فيكون نتيجته إما إصلاح ذلك الخلل بالتدريب والتهيئة أو تعديل مدخلات العمل أو إنهاء العلاقة مع الموظف.
كثير من الموظفين تخفى عليه حقيقة العلاقة بين الأجر والمنفعة، ويعد الوظيفة حقًا له طالما هو شاغلها، والبعض يرى أن دوره في تنفيذ ما يوكل له ومجرد انقطاعه وتفرغه ساعات من اليوم لذلك، هو في حد ذاته القيمة التي يستحق بها الأجر سواء قام بعمل منتج أو لا، لذا لا يكلف نفسه في المبادرة والإبداع في تنمية الناتج الذاتي لوظيفته. وبعض آخر يرى أن الوظيفة هي مراتب، لذا يبذل معظم جهده وتفكيره في ارتقاء تلك المراتب وتبعًا للبيئة السائدة في المنظمة يوزع جهده بين تحقيق المنفعة من وظيفته والمنافسة بين زملاء العمل لارتقاء مراتب الوظيفة بما يتطلبه ذلك من استرضاء رؤساء العمل والصراع مع المنافسين.
من أهم تحدّيات السعودة هو تحقيق القيمة المضافة المناسبة للأجر، فكثير من الوظائف في المؤسسات السعودية وصفت بمدخلات ومتطلبات تم قياسها على أساس السائد في سوق العمل، الذي يتميز بتنافسية شديدة بين وافدين من عدة بلدان، وبناء على ذلك فأجور تلك الوظائف منخفضة بما يتوقعه الموظف السعودي المستجد بالعمل على وجه الخصوص، وحيث إن تلك الوظائف قد حددت أجورها بصورة تجعل نشاط المنظمة تنافسي مع مثيلاتها فإن زيادة تلك الأجور لتناسب الموظف السعودي المستجد يحد من تنافسية المنظمة ويؤثر على فاعليتها. ويضاف لتلك التحدّيات القصور في تحقيق القيمة المضافة للوظيفة لدى الموظف المستجد السعودي مقارنة بما يحققه الموظف الوافد المتمرس في العمل.
هذا المقال هو استثارة للوعي لدى العديد من طالبي الوظيفة والموظفين المستجدين، لإدراك أن الوظيفة ليست مكتسبًا لمن يتأهل لها بالشهادة التعليمية أو المواطنة، الوظيفة هي عقد اتفاق لتحقيق منفعة مقابل أجر، لذا لا بد من تحقيق المنفعة لاستحقاق الأجر وكلما كانت المنفعة أكبر كان الأجر كذلك، لذا لا بد من العمل المستمر على اكتساب المعرفة والمهارة وتحقيق قيمة مضافة أكبر، ذلك هو السبيل الصحيح لتحقيق سعودة صحية للموظف والمنظمة والاقتصاد الوطني بصورة عامة.