في مطلع الأسبوع الماضي هجم البرد علينا بشراسة لم نعهدها منه على الأقل في السنوات الأخيرة الماضية، وهطلت الثلوج بغزارة وكثافة لم نشهدها على الأرجح في العقدين الماضيين. اكتست المناطق الشمالية بالثلوج من تبوك والقريات والجوف إلى عرعر حتى خيل للناس أنهم قد باتوا في قلب القارة القطبية، حيث الجبال تكسوها الثلوج، والجليد يتمدد على مساحات شاسعة من الأرض. أظهر الشباب فنونهم في النحت وبناء التماثيل الثلجية، والرسم على صفحات الجليد والتفنن في التزلج وكأننا في مرتفعات جبال الألب. البرودة بلغت ذروتها لتشعرك ولو للحظة أنك في ياكوتسك الروسية المدينة الأكثر برودة على وجه الأرض، إذ تبلغ درجة الحرارة فيها 63- درجة مئوية تحت الصفر طيلة فترة الشتاء القارس جداً والطويل جداً، حيث يمتد لثمانية أشهر في السنة.
تجمد الناس في بيوتهم في شمال ووسط المملكة. أخرجوا من دوالايبهم جميع الملابس القديمة «الخلاقين». شاهدنا تحفاً بشرية، حيث اختلطت ألوان الثياب السوداء بالجوارب الخضراء بالجاكيتات البنية، فالصقيع أخذ الناس على حين غرة ولم يكن أمامهم متسع من الوقت لشراء ملابس جديدة جرياً على العادة السنوية، إذ يؤجّل الاستعداد للحظات الأخيرة أو إلى الوقت الذي يهجم فيه البرد بقوة. خرجت الفراء والبطانيات من مخابئها، وزاد الطلب على الدفايات، واندفع عشاق تدمير البيئة للاحتطاب الجائر وقد شاهدت في أحد المقاطع القصيرة عدداً كبيراً من سيارات الجيب محمّلة بالحطب في طريقها للمدن والقرى لبيعها وربما بعضها للاستهلاك الشخصي، وفي نفس المقطع تعالت أصوات الحطّابين سخرية من الفلكيين الذين أطلقوا اسم هدى على العاصفة الثلجية، وامتدت السخرية لآخرين صنعوا مجسمات ثلجية لهدى. هذه مظاهر صاحبت العاصفة هدى تراوحت بين الترفيه البريء والإبداع في الرسم والتصوير والسخرية وإطلاق النكات، وهي مظاهر تعبّر عن سلوك مجتمع يعيش الحالات النادرة مثل المطر الشديد أو تساقط الثلوج أو اكتساء وجه الأرض بالربيع على أنها فرص ثمينة قد لا تتكرر إلا بعد سنوات طويلة فيخرج المشغول والفاضي من أجل قضاء أوقات ممتعة قد لا تتكرر. هكذا يتصوّر معظم الناس ولهم الحق في ذلك، حيث يعيشون وسط بيئة صحراوية فقيرة لا تجود كثيراً بالمطر والثلج والربيع.
العاصفة القطبية التي أسماها أحد الفلكيين هدى كشفت أيضاً سوء تقديرات من يدعون معرفتهم بأحوال المناخ. هؤلاء المدعون لا يبدعون إلا بعد نزول المطر أو هبوب العواصف. لو سمعت أو قرأت آرائهم قبل وبعد ستجد تناقضات صارخة فما يتوقعونه تذكّرني بمحلّلي الأرصاد وتنبوءاتهم التي لا يفك رموزها ولا المتخصص. كانوا يقولون مثلاً ستهب رياح جنوبية شرقية إلى شمالية غربية مع سحب منخفضة إلى متوسطة وعالية محمّلة بقليل من بخار الماء وقد تكون جافة وقد تؤدي إلى سقوط أمطار قليلة إلى متوسطة إلى غزيرة في بعض المناطق! يالله حلّها عاد!
يعني محلّل الأرصاد محتاط لنفسه فقد تصيب واحدة من هذه التوقعات المتناقضة وحينها سيخرج هذا المحلّل أو ذاك الفلكي في تصاريحه ليؤكّد أن توقعاته صحيحة. مع تطور التقنية أعتقد أننا أصبحنا الآن في غنى عنهم فالبرامج المحمّلة في الأجهزة توضح درجات الحرارة ونسبة الرطوبة ومدى الرؤية واتجاهات الرياح وغيرها من العناصر المناخية.