ما أكثر الندوات والمؤتمرات والملتقيات التي تُقام في المملكة وفي منطقتنا الخليجية لمناقشة القضايا الساخنة التي تهم مجتمعاتنا كالتعليم والاقتصاد والموارد الطبيعية والبشرية وغيرها من القضايا الضاغطة التي لازلنا نطرحها للنقاش عاماً بعد عام ويوماً بعد يوم في محاولات مستميته لاختراع العجلة من جديد.
ومن أكثر القضايا التي تلوكها الألسنة في هذه الندوات والمؤتمرات وحتى في المجالس العادية وفي أحاديث الناس قضايا التعليم. نحن نشعر أن تعليمنا ليس على ما يرام، وأن مخرجاته ليست بالمستوى الذي يرتقي إلى أحجام الميزانيات المرصودة له. ونعلم أن بعض شبابنا المتخرجين من التعليم العام والجامعات والمؤسسات التدريبية والتعليمية المختلفة يواجهون صعوبات كبيرة في التأقلم مع متطلبات ما بعد التخرج.
ونحن نشكو من التواكل والتكاسل والنزعة الاستهلاكية المخيفة لدى بعض شبابنا ومن الفشل الذريع في جوانب مسلكية لدى بعض شبابنا رغم الجرعات المكثفة والكبيرة من المواد الدينية في مدارسنا وجامعاتنا وكل مؤسسة تعليمية وتدريبية.
كل الحلول التي يمكن أن يتخيلها العقل تم طرحها على طاولة النقاش عبر مؤتمرات وورش عمل وندوات موسعة على مدى السنوات الماضية، وقد طافت وفودنا في مشارق الأرض ومغاربها للاطلاع على «التجارب الناجحة» للتعلم منها والاسترشاد بها، لكننا نعود مرة ثانية وثالثة لنتناقش في أسباب ضعف التعليم والتدريب ونتساءل كيف نرتقي بهما ليخدما التنمية وينتشلاننا من واقعنا الحالي إلى واقع أفضل.
وقد تم مؤخراً عقد ندوة خليجية في البحرين لمناقشة السبل الكفيلة بتحديث المناهج الدرسية وجعلها تواكب التطورات العالمية. طُرحت أفكار مهمة في الندوة، ولكن لا جديد في تلك الأفكار، فكلها معروفة سلفاً من خلال تجارب بلدان مثل سنغافورة وماليزيا وكوريا الجنوبية والدول الغربية المتقدمة.
تحدث المتحدثون عن أهمية الرياضيات والعلوم في تقدم المجتمعات والحاجة الماسة لتطوير أساليب تدريسها ضمن مناهج دراسية حديثة متقدمة ومُجَرَّبة في الدول الأخرى. لست ضد إقامة مثل تلك الندوة، فهذه النقاشات مفيدة ومطلوبة. لكن المحبط فيها هو أننا عرفنا الدروس جيداً وحفظناها عن ظهر قلب وفهمنا كيف تتطور المجتمعات وكيف تطورت بالفعل بلدان كانت متخلفة إلى عهد قريب، ومع ذلك نلتقي مرة تلو المرة ونتساءل: كيف نتطور؟.. نحن بحاجة إلى تفعيل ما أصبح ثابتاً ومعروفاً من سياسات التنمية والتطور أكثر من حاجتنا إلى إعادة طرح الأسئلة المكررة.