تعد الفنون التشكيلية إحدى المجالات الإنسانية التي تشهد على مستوى رقي وتطور المجتمعات ومؤشراً للمنسوب الثقافي والفني الذي وصلت إليه الشعوب ويتحقق ذلك متى ما وثقت ودونت منجزات وفنون وثقافة وآداب هذه الشعوب بواقعية ومنطقية وبمنهجية علمية,فكثير من العلوم والفنون لم تكن لتصل أخبارها ومعلوماتها إلى وقتنا الحالي لولا التوثيق والتدوين الجيد والذي رصد بواقعية ومنطقية ما وصل إليه مثقفو وفنانو الحضارات السابقة والتي شكلت قاعدة صلبة وجيدة للبحث العلمي والنهل من منهلها, وكثيراً ماغُيبت ثقافات وحضارات بتغييب التوثيق والتدوين أو الانحراف في مسار مصداقية توثيقها.
والتوثيق الجيد عادة ما يكون معتمدا على دقة التدوين وابتعاده عن الشخصنة والميول والتخمين كما أنه يقوم من أصحاب التخصص المتابعين والمتواجدين في وسط الحراك والمستجدات لهذا الجنس الثقافي والفني والأدبي المراد توثيقه, ومع تطور أدوات التواصل والاتصال أصبح من السهولة بمكان المتابعة اليومية لمستجدات الأنشطة والبرامج والفعاليات التشكيلية, والتوثيق يأخذ أشكال عدة منها الوقتي من خلال المقالات والأخبار الصحفية ومنها المرحلي والذي يكون من خلال كتب ترصد مرحلة أو حقبة زمنية برامجها وأنشطتها وفنانيها ومنها ما يرصد ويوثق مسيرة فنان من خلال استعراض تاريخه الفني والمنجزات والأساليب الفنية التي مر بها الفنان, ومنها ما يوثق ويرصد مسيرة الحراك التشكيلي لمنطقة أو شعب لفترات تاريخية تمتد لأجيال وتكون على شكل قاموس ومعجم تاريخي يرصد الأساليب والعوامل الإنسانية والتاريخية المؤثرة في هذا الحراك.
وبالنظر لحال الفنون التشكيلية المحلية مع التوثيق نجد أن هناك بعض الجهود سواء الشخصية أو المؤسساتية ولكن الحاجة أكبر لمزيد من التوثيق والتدوين لكثير من الممارسات التشكيلية المحلية خصوصاً مع ماتشهده الساحة المحلية من حراك كبير اختلط فيه الفن باللافن والموثق الجيد الصادق مع المظلل المدعي الدخيل على الساحة فأصبحت تصدر أدلة وكتب عن الفنانين السعوديين مظللة لا تعتمد على منهجية علمية أو واقعية في الطرح وإنما تبنى على مصالح مادية لمعديها وكتابها الذين لايرون في الفنان السعودي إلا المكاسب المادية والسذاجة والضعف الثقافي لتنطلي عليهم الكلمات الفضفاضة والعبارات المطاطة وبمساعدة وتواطؤ من بعض الفنانين المحليين المنتفعين من التسويق حتى لو على حساب سمعة البلد وفنه.
ولكن هذا الغثاء سيذهب مع وجود عمل منهجي وتوثيق علمي يؤصل للفن التشكيلي المحلي كما هو الحال في عدد من الكتب السعودية من أبرزها: كتاب تاريخ الفن التشكيلي في المملكة العربية السعودية للفنان الدكتور محمد الرصيص, وكتاب مسيرة الفن التشكيلي للفنان عبدالرحمن السليمان, وكتاب التصوير التشكيلي في المملكة العربية السعودية للدكتور سهيل الحربي وغيرها من الكتب المنهجية والنقدية والتاريخية التي ترصد مسيرة الفن التشكيلي المحلي والآمال والتطلعات أكبر حتى على مستوى رصد وتوثيق المقالات وإصدارها في كتاب يدعم التوثيق التشكيلي كما في زاوية الزميل محمد المنيف التي توثق للفن على مدار أكثر من ثلاثين عاما ونتطلع لأن تكون في كتاب.