عندما تنظر إلى التلفاز لا سيما في القنوات العربية، فإنك لا تجد في الغالب إلا القتل أو آثار الدمار، ما عدا دول محدودة - حماها الله - من الشرور، وعلى رأسها دول الخليج، ومن المتوقع أن القتل والدمار سيستمر إلى حين، بسبب التنافس على كراسي الحكم تحت مسميات مختلفة من الأيديولوجيات الممتطاة لبلوغ الهدف، والوصول إلى الغاية المبتغاة، ولا شك أن وقوداً يصب هنا وهناك من دول مختلفة ليستمر القتل والدمار في بلاد عربية، وبمال من المنطقة وخارج المنطقة وبدماء عربية، جلها دماء مدنيين ليس لهم ناقة ولا جمل في الحكم وشؤونه، كما أنهم أيضاً مع كل أسف أدوات للإثارة من خلال الزج بهم في التدافع نحو طرف دون طرف، ومن ثم يخرجون فرادى وجماعات لاجئين إلى ديار مجاورة بعد أن يموت منهم من يموت بسبب القتل أو التعذيب أو الجوع. والغريب أن جزءاً من هؤلاء اللاجئين إما يستمرون على موالاتهم أو معارضتهم، لكنهم أبداً لا ينظرون إلى جمع كلمتهم بغض النظر عمن دفعهم من خلال الأيديولوجيات أو القوميات للتباعد والتباين، وربما نسوا أو تناسوا أنهم كانوا قبل سنوات يعيشون مع بعضهم دون النظر إلى التباين في التوجهات الدينية والمذهبية والعرقية. بعض أبناء تلك الدول وساستها القائمين على فرقتها يتسابقون إلى بعض الدول الأجنبية طلباً للعون هنا وهناك، عون يأملون من خلاله الانتصار على غريمهم، وهو قبل سنوات محدودة كان صديقهم، وجارهم، وهكذا سوف يستمر التسابق على المساعدة الأجنبية.. وهي في الدول ذات الإستراتيجيات بعيدة المدى لا تعطي إلا بمقدار يحقق أهدافها المستقبلية، وإذا كان وضعاً معيناً غير ثابت يحقق جزءاً من تلك الأهداف، فإنها لن تعطي شيئاً إلا بما يجعل الوضع يستمر، والدمار يزيد لأن الغرض من التدخل في الغالب ليس مساعدة إنسانية، وإنما تحقيق غاية معينة. الغريب في الأمر أن من يطلب من جهة أخرى مساعدته، لم يحاول أن يكون شجاعاً ليكسر الحاجز بينه وبين أخيه الذي عاش معه على تراب وطنه كما عاش الآباء آلاف السنين، وربما لأن الأمل في الانتصار يظل قائماً، كما أن الأيديولوجية مع مرور الزمن تصبح تعصباً، ومعه يصعب التراجع، لأنه في نظره الخاطئ أصبح مقدساً لا يحيد عنه ويجب الموت دونه.
هي أفكار تبدو صغيرة ثم تكبر حتى تكون رسالة، وإذا وجدت أرضية خصبة لنموها وماءً كافياً لريها وإنباتها، فإنها سوف تثمر ثمراً سيئ الطعم والرائحة.
الناس كما يقول علي بن أبي طالب - كرّم الله وجهه - عالم، ومتعلم، ورعاع وراء كل ناعق، وهؤلاء هم الوقود المغلوب على أمرهم، الذين ليس لهم حول ولا قوة في الدفاع عن أنفسهم، أو حتى التحكم في أفكارهم، لأنهم في الغالب ينساقون وراء ما يتم إملاؤه عليهم من أفكار ومواقف، يجعلونها لهم خطاً يصعب أن يحيدوا عنه، إلا إذا قادهم الآخرون والمؤثرون عليهم إلى مواقف أخرى تتناسب مع مصالح قادتهم الفكرية، وقدرتهم الإعلامية على التأثير والتخويف وزرع الأرض بورود الأماني.
بعد هذا كله، وبعد أن تضع الحرب أوزارها، سوف يجد هؤلاء أن ما قاموا به من اقتتال بينهم إنما كان سذاجة منهم قادهم إليها أناس تمتعوا بكرسي الحكم، ولا يريدون النزول عنه، أو آخرون طمعوا في كرسي لا يستحقونه، ودفعوهم إلى الموت والتشرد في سبيل حصولهم عليه. الدمار كان كبيراً في بعض من الدول العربية، وربما يكون أكبر من ذلك لو استمر مدة أطول، وهو المتوقع، وهذا يعني أن إعادة البناء والإعمار ستتطلب سنين عديدة وأموالاً طائلة لا قِبَل لهم بها، وكلنا يعلم أن الدمار سهل وسريع ورخيص، لكن البناء صعب ويأخذ وقتاً، ومرتفع التكلفة، وإذا افترضنا افتراضاً واقعياً أن بعضاً من عادات هذه الشعوب لا تساعد على النهوض السريع، والبناء المنظم، فإن الوضع سيأخذ من الزمن ما لا يمكن تصديقه. قد يقول القائل إن ألمانيا واليابان قد تم تدمير نسبة كبيرة منهما، ومع هذا فقد نهضتا نهضة كبيرة ولحقتا بالعالم المتقدم، وهذا حق، لكن علينا أن نكون أكثر واقعية، وأن نضع بين أعيننا أن أموالاً ضخمة قد قدمت إليهما لإعادة البناء، وأن ثقافة العلم والالتزام والانضباط تختلف في تلك البلاد عن بعض من الدول التي تقع تحت الدمار في الوقت الحالي، لكن الأمل في الله كبير، وهو القادر على إصلاح الحال، إذا صدقت النيات، وكان الإخلاص نبراساً للإيمان والعمل.