لا يبدو أن الحوثيين يفهمون في السياسة، ولا قي اقتصاديات الدول، مثل فهمهم في القنال وامتشاق السلاح وفرض أنفسهم بها على الساحة اليمنية. ويبدو أن الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح قد استخدمهم فقط للانتقام ممن عزلوه، حتى وإن كانت النتيجة أن يلقي ببلاده إلى التهلكة والفتن الطائفية.
الدول اليوم لا يمكن أن تعيش في معزل عن الدول الأخرى تصديراً واستيراداً وتبادلاً معها في كل مستلزمات الحياة؛ حتى وإن كانت غنية ولديها ما يمكن تصديره، والحصول على العملة الصعبة، التي هي العمود الفقري لأي اقتصاد معاصر، فما بالك إذا كانت دولة فقيرة كاليمن، تعتمد على المساعدات والقروض ودعم العالم الخارجي بشكل شبه كلي؟.. أن تصل إلى الحكم بقوة السلاح ومن على ظهور الدبابات قد يكون ذلك ممكناً، ولكن أن تستطيع الحصول على اعتراف العالم، وشرعيتك لا تعدو أن تكون السلاح والقوة، ومن خلال جثث أبناء وطنك وإراقة الدماء، كما فعل الحوثيون، فبقاؤك واستمرارك في السلطة ضرب من ضروب المستحيلات. ربما يكون ذلك ممكناً في الماضي زمن الانقلابات العسكرية، أما بعد سقوط الاتحاد السوفييتي والمنظومات الثورية التي كان يدعمها، فقد انتهت حقبة الانقلابات؛ وأصبح اعتراف العالم بشرعية سلطة الدولة، أي دولة، ضرورة حتمية لا تستطيع أي دولة معاصرة اليوم البقاء دونها. طالبان فشلت في الحصول على اعتراف العالم، وبقيت إمارة صغيرة معزولة، يلفها الجوع والعوز والأمراض والأوبئة وتجارة المخدرات، ويعاني اقتصادها من التآكل والفشل، حتى سنحت الفرصة لسقوطها فسقطت. وكثير من الدول الأفريقية، حاول عسكريوها توظيف السلاح في الوصول إلى سدة الحكم، وإقصاء السلطات الشرعية الحاكمة في بلدانهم وباؤوا بالفشل، وعادوا كما أتوا يجرون ذيول الخيبة والفشل إلى ثكناتهم.
انقلاب الحوثيين على السلطة الشرعية في اليمن سيفشل قطعاً، فليس بالسلاح والدماء فقط، تصل إلى السلطة وتبقى فيها. ولا يهم العالم المعاصر إذا كنت (حسنياً) أو (حسينياً) وأنك وأهلك من سلالة نبوية مقدسة كما يزعم عبدالملك الحوثي، فلا يمكن بالسلاح أن تنتزع اعتراف المجتمع الدولي، وتقيم اقتصاداً له المقدرة على تمويل إدارة الدولة.
أعرف أن إيران هي من تدعم وتمول الحوثيين؛ وأنهم تخلوا عن المذهب الزيدي الموروث واعتنقوا المذهب الإثني عشري كما هم ملالي إيران، ليحصلوا على الدعم الإيراني مادياً ومعنوياً؛ غير أن إيران نفسها محاصرة اقتصادياً، وتعاني من عجز مالي يتزايد ويتراكم يوماً بعد يوم مع تدهور أسعار النفط، كما أن إيران لا يمكن أن تُضحي بمصالحها، وتجري خلف سراب يعرف الإيرانيون جيداً أنه ضرب من ضروب المستحيل. فالإيرانيون جعلوا من الحوثيين مجرد مخلب قط لمقايضات إقليمية، ما إن تنتهي ملفاتها بأي تسوية ستقذف بالحوثيين في سلة النسيان. هذا فضلاً من أن الجغرافيا هنا تفرض منطقها، فاليمن ليست مجاورة لإيران، وإيصال المعونات والعتاد والدعم إليها ليس بالأمر السهل، خاصة إذا قرر المجتمع الدولي من خلال هيئة الأمم المتحدة مقاطعة الانقلابيين الحوثيين، وهو أمر متوقع إذا أصر الحوثيون على إسقاط السلطة الشرعية المتمثلة في الرئيس الحلي، ونسفوا مقررات الحوار الوطني الذي توصل له الفرقاء في اليمن.
أما الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، فكل ما يريده من الحوثيين، ومساندتهم، قلب الطاولة على من نحّوه، وخلط الأوراق داخلياً في اليمن، آملاً أن يمكنه هذا الخلط من العودة مجدداً لكرسي الرئاسة. وإلا فرئيس مثل علي عبدالله صالح بقي في حكم اليمن ثلاثة عقود، لا يمكن أن يخفى عليه أن العالم من أقصاه إلى أقصاه لن يقر بما يمليه عليه الاتقلابيون، ويقبل بالأمر الواقع، خصوصاً أن دول الجوار الخليجي كانت قد اتخذت موقفاً مسانداً للرئيس «هادي» ولن تترك الحوثيين وهم عملاء إيران بالبقاء في خاصرتها مهما كانت التكاليف والتضحيات.
لذلك يمكن القول أن الانقلاب الحوثي على سلطة الرئيس هادي، سيحيل اليمن إلى حرب أهلية طاحنة ستستمر لعقود إذا استمرت الأحداث كما هي عليه الآن.
إلى اللقاء