أكتب وفي عيني دموع لم تزل متحشرجة بين العين والحلق. فجعت كغيري من محبيه بخبر انتقال خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز حبيب الشعب أبي متعب إلى ذمة الله. وتعلقت برغبة طفولية عنيدة أن الأمر إشاعة وإنني سأصحو لأجد توضيحاً ونفياً وتكذيباً.
لم يحدث ذلك.. وصحوت على تأكيد الخبر المفجع ووقعت في ذهول ضرورة التصديق والتوجع رفضاً.
كنا نعلم أن صحته ليست على ما يرام.. وأن الفترة الأخيرة حملت له الكثير من التعب وظل يكافح تعبه لتتواصل مساعيه ليرتاح المواطن.
الموت حق, ولله مشيئته.. {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.. ولكن فراق من نحب يحمل صاعقة من التخوف لا قبل لنا بها إلا بالتشبث بالإيمان.
وعبد الله بن عبد العزيز رجل يستحق الحب..
ليس من السهل أن تختصر الكلام عن شخصية مثل خادم الحرمين الملك عبد الله بن عبد العزيز -رحمه الله وغفر له وتغمده بين الأبرار الطيبين في واسع جنانه-.
ولكن من يريد أن يعرف كم هو رجل أحبه الآخرون بصدق فليتابع ما فاض به المغردون في تويتر والفيسبوك وكل وسائل التعبير المباشر عن المشاعر. ليس فقط مواطنوه بل حتى غير المواطنين.
الرجل الذي سموه «ملك القلوب» و»ملك الإنسانية» كان قائداً استثنائياً في مدى إنسانيته وإيمانه بإنسانية الآخر, وصانع قرار استثنائي بحث عن حلول لمعاناة كل الفئات ونادى بالحوار والوسطية والاعتدال وتقبل الإختلاف والتعايش. هو الرجل الذي أحبه المعتدلون وكرهه المتطرفون؛ من لم يعجبهم صلاح سيرته وتوجهه ورؤيته و قراراته وأفعاله. إثمار نتائج ذلك الصلاح كان يتعارض مع طمع الطامعين من الخارج والداخل في تجيير خير البلاد لمصالحهم.
نعم أحبه الناس من قمة الهرم الاقتصادي إلى الملايين من أبناء الطبقة الكادحة, وكم انزعج الكبار والشباب والنساء والرجال من أخبار مرضه.. وكم ارتفعت الأصوات بالدعاء أن يجتاز الأزمة الصحية, وكم انزعجوا من أخبار تسربت لتستعجل نشر خبر وفاته.
وعلى اتساع واختلاف المواقف والانتماءات, شهد له الكل بالصدق في النية والعمل, وأنه عاش ورغبته في إرضاء ربه بإقامة العدل والقيام بواجبه كولي أمر خير قيام. كان هم أبي متعب أنه مسؤول أمام ربه قبل أن يكون مسؤولاً أمام الناس أو فئة من الناس.
صحيح أنه تبوأ سدة الحكم ملكا لمدة عشر سنوات, ولكنه قام بهذا الدور لقرابة عشرين عاماً, العقد الأول منها وهو ولي للعهد حين كان أخوه خادم الحرمين الملك فهد متعباً أعجزه المرض عن مسؤولية الحكم واتخاذ القرار.
خلال الأيام القليلة التي تلت وفاته رحمه الله استعرضت كل وسائل الإعلام سيرته بكل احترام. لم يكن فيها إلا ما يثير الفخر به مواطناً قريباً جداً من قلوب المواطنين وملجأ لكل مواطن عانى من ظروف الفقر أو القهر, أو حتى غريب بعيد من الصحة فاجأه القدر بظروف متحدية مثل ولادة توأمين ملتصقين. سخر نفسه لإسعاد الناس؛ لذلك منحناه لقب والد الجميع ووشحناه بلقب الملك الصالح.
الرجل الذي أحبنا وأحببناه وعلمنا معنى أن نطالب بوطن يليق بنا وأن علينا أن نساهم في الوصول إليه. غادرنا بعد أن ترك لنا ميراثاً من المشاريع الجبارة الواعدة كان أمله أن يراها تزهر و تثمر.. جامعات ومستشفيات ومراكز بحوث, وخططا للإصلاح والتطوير والإعمار وإحلال الأمن والسلام وإسعاد المواطن.
غفر الله له وأثابه بقدر محبته لنا, ومحبتنا له.