وين رايح. .التفت سلم علينا.. ما روينا من حنانك ومنك ما اكتفينا»، لقد كانت هذه اللوحة التي رسمها ذلك الشاب تعبر بوضوح عن مشاعر شعب كامل تجاه الراحل الكبير، عبدالله بن عبدالعزيز، فلم يكن هذا الملك رجلا عاديا، ولم يكن مجرد ملك، إذ كان والدا للجميع، أحب شعبه فأحبوه، وقد كانت عفويته الصادقة هي طريقه إلى قلوب الناس، فلم يسبق أن قال حاكم لشعبه إنه خادمهم، ولم يسبق لحاكم أن اكتسب كل هذه الشعبية الهائلة، داخل بلاده وخارجها، ولا يمكن لأعتى مؤسسات العلاقات العامة أن تصنع شعبية لأحد مثل ما صنع عبدالله بن عبدالعزيز لنفسه بنفسه، وهي شعبية كان عنوانها الحب، والعفوية، والطيبة، والمروءة، والكرامة، والإيثار، والإجماع على حب الناس لهذا الرجل يجب أن يكون كتابا مفتوحا يتعلم منه أي حاكم ومسؤول.
كان عبدالله بن عبدالعزيز هو عمود الخيمة التي استظل بظلها الجميع، من طريف إلى شرورة، ومن البحر إلى البحر، بغض النظر عن انتماءاتهم الفكرية، والمذهبية، وبغض النظر عن أعمارهم، وعن أجناسهم، وهذه هي الحكمة الحقيقية، فالحاكم مظلة للجميع، لا يفرق بين أحد وآخر من أبناء شعبه عطفا على جغرافية أو مذهب أو جنس، وقد فعل هذا الملك كل هذا، حتى أصبحت سنوات حكمه التسع وكأنها عقود طويلة من كثرة الإنجازات فيها، وهي إنجازات تحدث عنها كثيرون، ولست هنا في وارد سردها، فحديثي هو عن هذا الرجل، وعن شخصيته الآسرة، وشعبيته الجارفة، وعندما أتحدث عن شعبيته فأنا لا أتحدث عنها هنا في المملكة، بل في الخليج، وفي الدول العربية والإسلامية، وحتى على المستوى الدولي، فهو يكاد يكون الحاكم العربي الوحيد، الذي أشاد به رئيس أمريكا، والعشرات من حكام العالم، ولم يكن مدحهم له من قبيل المجاملة الدبلوماسية، بل هم ربطوا ذلك بأفعال كانوا شهودا عليها من خلال تعاملهم مع الراحل الكبير.
لم يستنكف عبدالله بن عبدالعزيز أن يبكي وهو يحضن طفلا رحل والده فداءً للوطن، وما زادته تلك الدموع الصادقة إلا مزيدا من محبة الناس، وهو من النوع الذي يستطيع الجمع بين العطف والحزم بطريقة لا يتقنها إلا الإستثنائيين من الزعماء، وقد لفت نظري، بعد رحيل الزعيم الكبير، عليه من الله شآبيب الرحمة، أن هناك بعض المنتمين للتيارات الحزبية ممن يعتقد أن سياسة الدولة تسير على هوى أو ذاك، أو يسيرها هذا أو ذاك كما يريد، وعلى هؤلاء أن يعلموا أن هذه الدولة استمرت على مدى ثلاثة قرون، ولا تزال صامدة وقوية، وذلك لأن سياساتها ثابتة وراسخة، وحكامها مظلة للشعب، كل الشعب، على اختلاف توجهاته، ويرحل ملك، ويأتي خلفه دون أن تشعر بتغيير، وختاما نسأل الله تعالى أن يغفر لخادم الحرمين الشريفين، الملك عبدالله بن عبدالعزيز، ويرحمه، ويجبر مصابنا فيه، ويجعل قبره روضة من رياض الجنة، وأن يوفق خلفه خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده، وولي ولي عهده، وينصرهم، ويعينهم على حمل الأمانة الثقيلة، فالمهمات الجسيمة داخليا وخارجيا تحتاج عزم وحزم القوي الأمين، وهم لها، كما أسأل الله أن يحفظ الوطن من كل سوء.