فجعنا يوم الجمعة الماضي بفقد كبير ومصاب جلل رزئ به الشعب السعودي والأمة العربية والإسلامية بوفاة الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود ـ طيب الله ثراه ـ ورحيله في يومه المسمى تاركاً حزناً في القلوب ووجعاً في الأنفس فقد كان بمثابة الوالد للجميع، رؤوماً رؤوفاً بشعبه سخر كل ما يملك لإسعادهم، ذو رؤية واسعة وقلب نابض بحب الله ثم الوطن وخدمة المواطن بكافة فئاته، كانت جولاته بين عموم الناس تعكس لحمة ووحدة لا مثيل لها، وكانت قراراته المنحازة للفقراء والمساكين مبرة وعبرة لا يمكن إلا أن تبقى في ذاكرتنا الوطنية وفي جنبات تاريخ وطننا الغالي مضاءة ومعبرة عن قائد عربي وإسلامي فذ واستثنائي خدم شعبه وفاض خيره ووسعت حكمته العالم العربي والإسلامي فكان ـ رحمه الله رحمة واسعة ـ بمثابة الأب والمرجع للرؤساء والملوك والأمراء توحدت حول شخصيته النقية وسريرته النبيلة عيون التقدير والاحترام والإجلال من القاصي والداني، وما هذا الإجماع الدولي والإقليمي من الدول والهيئات ودور الإفتاء على مصاب فقده إلا شاهد تاريخي على جلالة أعماله التنموية والإنسانية ودوره الفاعل في إصلاح أعطاب الأمة وخلافاتها واختلافاتها فكانت كلمته سراجاً وهاجاً للقادة العرب والزعماء المسلمين ومحل عرفان من الرؤساء في العالم أجمع.
في عهده ـ رحمه الله ـ تضاعف الدخل للمواطن، وزادت مخصصات الضمان الاجتماعي إلى أكثر من ثلاثة أضعاف، وكان فائض الميزانية أمراً تاريخياً لم يسبق أن حققته المملكة العربية السعودية، وفي عهده وبأمره حصلت أكبر توسعة للحرمين الشريفين خدمة للإسلام والمسلمين، وفعّل حوار الأديان في رؤية تعبر عن روح الإسلام العظيمة وإنسانيته المتحضرة، كما قاد البلاد في ظل الفتن والقلاقل المحيطة ومن بين رائحة البارود وصوت الرصاص إلى بر الأمان والأمن والاستقرار، فجزاه الله خير الجزاء وكتب له عز وجل أعماله وتبرعاته ودعمه للمواطن السعودي والعربي والإسلامي صدقة جارية إلى يوم القيامة، وها نحن فرداً فرداً ولاء وحباً ننفذ وصيته التاريخية حين قال ـ رحمه الله: «يعلم الله أنكم في قلبي وأستمد قوتي من الله ثم منكم، فلا تنسوني من دعائكم» وندعو وسندعو له ليل نهار بالرحمة والمغفرة وفسيح جنات الخلد على ما أفاء به على شعبه وأمته وعلى ما خدم به من الإنجازات والمكتسبات دينه ووطنه، كما دعا له ألوف المصلين الحاضرين لمراسم تشييعه ودفنه ـ رحمه الله ـ في جنازة مهيبة تعكس مهابته وحب الناس لأبطالها ورجالها المخلصين، وملايين الغائبين في مساجد الوطن وفي باقي العالم العربي والإسلامي، لكن ما يخفف وطأة الألم ووجع الفاجعة أن انتقل الحكم وبسلاسة معهودة ويسر معهود إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ـ حفظه الله ـ وسط بيعة شرعية عظيمة ويوم مشهود شارك فيه كل فئات المجتمع السعودي، وشهده قصر الحكم هذا الرمز التاريخي العميق في تاريخنا الوطني الذي انطلق منه الحكم في الدولة السعودية الحديثة على يد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن فيصل آل سعود ـ طيب الله ثراه ـ، فكان مشهداً لا تدركه الديمقراطيات الحديثة وتنحسر دونه، مشهد تمازجت فيه ملامح الوحدة واللحمة والوطنية والشرعية والإسلامية، وتكرر في تاريخ الدولة السعودية التي هي امتداد للدولة الإسلامية الأولى، لقائد بارز وملك أكد أنه سيسير على نهج الأسلاف القويم ولن نحيد عنه أبداً هو خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود ـ حفظه الله ـ فهو الرجل السياسي المحنك والقائد الوطني الواعي لواقع شعبه وأمته فقد تربى وترعرع في مدرسة والده المؤسس ـ طيب الله ثراه ـ السياسية وخبر في مجالسه أمور الحياة وشؤون الحكم، وقد عاصر والده في حكمه وعاصر خمسة من الملوكن أشقائه وإخوانه، وكان بمنزلة المستشار لهم وأمين سر العائلة الحاكمة وواجهة الأسرة الملكية في اتصالها مع الشعب سواء من خلال إمارته لمنطقة العاصمة الرياض لأكثر من أربعة عقود أو في مجالسه ـ حفظه الله ـ التي تتحقق فيها عوامل التواصل والاتصال مع كافة شرائح المجتمع، واتصاله بالمثقفين والإعلاميين وقادة الرأي والمفكرين وتواصله مع الفعاليات العلمية ودعمه للتاريخ الوطني من خلال باحثيه ومؤرخيه ومؤسساته لإيمانه بحركة التاريخ ودروسه ولكونه مؤرخ الأسرة الحاكمة وسادن التاريخ السعودي بل ومن صنّاع مجدنا الوطني، ودأبه على خدمة ورعاية طلاب العلم والعلماء وحفظة كتاب الله وتشجيعهم، ورعايته للمشروعات الإنسانية بترأسه في حياته لجان الإغاثة المختلفة للعرب والمسلمين والإنسان في كل أرجاء العالم، ورعايته لذوي الاحتياجات الخاصة ورعايته للأيتام واليتيمات، كل هذه الأعمال هي صنو الملوك الأبرار، فخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ـ حفظه الله ـ رجل دولة يتميز بالحكمة وسعة الأفق والخبرة في الحدث والناس امتلك كل هذه الصفات قبل مجيئه للحكم وسننعم بها كشعب محب وفيَ بعد توليه الحكم، فقراراته السديدة ومراسيمه السامية بتعيين أخيه صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبدالعزيز ولياً للعهد ونائباً لرئيس مجلس الوزراء وتعيين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز ولياً لولي العهد ونائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء ووزيراً للداخلية وتعيين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز وزيراً للدفاع ورئيساً للديوان الملكي تعكس اهتمامه الكبير باستقرار الحال بعد المصاب الأليم ويسد على المغرضين أبواب الكيد ونوافذ الحقد في ظل منطقة جغرافية ملتهبة ليعلن ـ حفظه الله ـ استمرار المسيرة، وبقاء المنهج، وصفاء السريرة، داعياً في أول خطاب له إلى وحدة الصف العربي ووحدة المسلمين أمام ما يحاك لهم من المكائد والأخطار.
نهنئ أنفسنا وأرضنا والعالم العربي والإسلامي بملك وقائد قضى جل عمره بجوار إخوانه الملوك يخلص لهم الرأي والمشورة وصنع معهم النهضة الوطنية الشاملة التي على رأسها الإنسان بكرامته وعقله وعزته، ليستلم ـ حفظه الله ـ راية الوطن الذي أحبه وبادله الشعب الوفاء والولاء في السراء والضراء ليستمر وطننا قدوة ورمزاً للمسلمين وقلباً نابضاً للعرب تسخر طاقاته لتنمية الإنسان العربي ودفع صوت الحق عالياً لقضايا الأمة الإسلامية في المحافل الإقليمية والدولية.
رحم الله الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود وأسكنه فسيح جناته، ووفق خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود إلى ما فيه رفعة الإسلام والمسلمين ونهضة الوطن ووحدة الأمة العربية والإسلامية.