في بداية كل عام مالي غالباً ما ينصب جل اهتمامنا على حجم الميزانية وإمكاناتها رقمياً (النفقات والإيرادات المقدرة) وننشغل بذلك عن الموضوع الأهم وهو الوقوف على نتائج تنفيذ ميزانية العام المنصرم كما ننسى أيضاً أن مخرجات الميزانية تعتمد على أبعاد أخرى أكثر أهمية من الأرقام المجردة. أي كفاءة الأداء ( efficiency) وفاعليته (effectiveness) ولتذكير القارئ الكريم فإن الكفاءة تعني عمل الشيء بطريقة صحيحة بينما تعني الفاعلية عمل الشيء الصحيح، وهناك فرق بين الاثنين كما يتضح من التعريف. المهم هنا أن تنفيذ الميزانية بالكفاءة والفاعلية المناسبة فيصل في تحقيق الأهداف المرسومة والنتائج المطلوبة، ربما يفوق أثر أرقامها المجردة.
والأهم هنا هو كيف تم تنفيذ ميزانية العام المنصرم وهل تم تحقيق المستهدف، وكيف سيتم تنفيذ ميزانية هذا العام، أخذاً في الاعتبار العوامل المتعلقة بجودة التنفيذ وسرعته وتكلفته.
والشيء الذي يتفق عليه الجميع أنه مهما كان حجم الميزانية فإن نتائجها تعتمد بعد الله على آلية وأسلوب تنفيذها على أرض الواقع.
وحتى تتضح الصورة للقارئ الكريم فلو افترضنا أنه تم حفر وإعادة حفر وسفلتة شارع من شوارع الحي ثلاث مرات بسبب سوء التنسيق أو أسباب أخرى فإن ذلك يعني أننا أنفقنا ثلاثة أضعاف المبلغ المقدر لتغطية تكاليف ذلك المشروع. وعليك أن تقيس على ذلك، الهدر في بقية المشاريع. أي أنه يجب أن يكون حجم الميزانية المقدرة ثلاثة أضعاف تكاليف القيمة الفعلية للمشاريع المنفذة.
والهدر كما هو معروف قد يعود لعدم التنسيق أو تدني مستوى الجودة أو الفساد أو كلها مجتمعة أو غيرها من الأسباب (الكفاءة). وقد يعود الهدر لتنفيذ مشاريع غير أساسية ولا تقع ضمن أهدافنا ولا تصب في برامج التنمية (الفاعلية). المهم هنا أن أرقام الميزانية ليست كل شيء ويجب أن لا ننشغل بها عن مراجعة آلية ونتائج تنفيذها.
وحرصا على الإفادة من هذا الطرح وتلافيا للتنظير، فإنني أقترح اتخاذ خطوات عملية عاجلة وجادة للحد من الهدر واستنزاف الاعتمادات والمخصصات، وتنفيذ المشاريع بالجودة والتكلفة والسرعة المناسبة.
لعل المبادرات أدناه تساعد على تحقيق ذلك:
1- مطالبة الجهات الحكومية بإصدار تقرير علني ربع سنوي عن مراحل تنفيذ المشاريع المعتمدة في ميزانياتها يبين الموقف المالي والفني لمسار كل مشروع، وينشر على موقعها الرسمي.
2- مطالبة كافة الجهات الحكومية بإنشاء «إدارة مشاريع» (PMO ). تكون مسؤولة عن مسار تنفيذ المشاريع المعتمدة بالتكلفة والجودة والسرعة المطلوبة.
3- صياغة معايير علمية عملية (KPI لقياس تقدم العمل وكفاءة أداء تنفيذ المشاريع وإلزام الجهات الحكومية باتباعها).
4- تأسيس هيئة عليا لتنسيق تنفيذ المشاريع الحكومية.
5-إعادة النظر في أهداف وآلية عمل هيئة مكافحة الفساد وتعزيز دورها في الحد من الهدر المالي وسوء تنفيذ البرامج والمشاريع والتأكد من قيامها بالدور الذي أسست من أجله.
6- إعادة هيكلة إدارة الميزانية العامة بما في ذلك تخصيص الاعتمادات لمشاريع وبرامج القطاعات المختلفة بحيث يتم تخصيصها بطريقة منهجية تقوم على مبدأ تحديد أولويات البرامج والمشاريع وصولاً إلى تنمية متوازنة. والله الهادي إلى سواء السبيل.