الأفكار الإرهابية لا تخضع للمنطق، بل تتجاوز المقاييس العقلية، بسبب الخلل في فهم النصوص الشرعية، وضعف الآلة الذهنية.. وهي قضايا تتمحور حول تكفير الدولة، والحكام، والعلماء، - إضافة - إلى موضوع الولاء، والبراء، ومناهضة المشركين، وضرورة إخراجهم من جزيرة العرب، - وكذلك - موضوع الدماء المعصومة، أي: أن تلك الأفكار امتداد لأفكار الخوارج، وإعادة لإنتاجها بتفسيرات مغلوطة لنصوص تتعلق بقضايا التكفير، والجهاد، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ثم عمدت - بعد ذلك - إلى الخروج على الحاكم، وحملت السلاح في وجه الدولة، من أجل إقامة الدولة الإسلامية - كما يزعمون -.
هذه الإشكالية تُصنف ضمن الإطار الفكري العقدي في المقام الأول، وانتشار الأفكار الراديكالية المتطرفة بين الشباب بشكل صاعد، ناتج عن تفاعلات إقليمية على أرض الواقع، وبالتالي لا بد من معالجتها في هذا السياق بمفهوم شامل، وتحديد التوجهات المتطرفة، والخطاب العقائدي المجانب للصواب، والذي تتبعه الجماعات المتطرفة، للحيلولة دون انضمام هذه الفئة المستهدفة للتنظيمات الإرهابية، وإعادتها إلى سياقتها الاجتماعية، وبيئتها المحيطة بها.
من جانب آخر، فإن نجاح لجان المناصحة الشرعية عالية، ولأن السعودية انفردت في تشكيل لجان المناصحة الشرعية، والتي لاقت قبولاً، وإعجاباً محلياً، وإقليمياً، ودولياً، - خصوصاً - من الدول التي عانت من داء الإرهاب.. كما تشير التقارير الصادرة في عام 2004 م، لمواجهة التطرف الفكري، وتم تطويرها في عام 2006 م، بتأسيس مركز محمد بن نايف للمناصحة، والرعاية - كأحد المؤسسات التابعة لوزارة الداخلية -، والذي يستهدف إعادة تأهيل معتنقي الأفكار المتطرفة، ودمجهم في المجتمع، عقب تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة بحقهم، ويركز البرنامج على الأبعاد النفسية، والدينية، والفكرية، والاجتماعية، بحيث يصبح اجتياز البرنامج شرطًا، للإفراج عن المتهمين بالتطرف، والمشاركة في التنظيمات الإرهابية.
تصريح المتحدث الأمني في وزارة الداخلية - اللواء - منصور التركي، وتأكيده على أن عدد المنتكسين، والعائدين إلى الجماعات الإرهابية، والفكر الضال، بعد خضوعهم لبرامج المناصحة في مركز محمد بن نايف للمناصحة، والرعاية، لا يتجاوز 12%، مؤكداً: «أنهم يعملون على معرفة أسباب انتكاستهم، وعودتهم إلى التطرف»، يستدعي الإبقاء على لجان المناصحة الشرعية، وهو أمر في غاية الأهمية، كونها تكشف الشبهات، وتعالج الخلل الفكري، وإن كانت توظف آليات مختلفة في التعامل مع معتنقي التوجهات المتطرفة، والتي تبدأ - عادة - بالمناصحات الجماعية، ثم المناصحات الفردية، ثم تأتي بعد ذلك مرحلة الدورات العلمية، وتنتهي بمرحلة المناصحة الوقائية.
هناك من يُشكك في جهود المناصحة، وجدواها، ويرى أنه لا بد من إيقافها - ولو مؤقتاً -، دون أن يقدم البديل المقترح، لمجابهة الأفكار المتطرفة التي تطرحها التنظيمات الإرهابية، أو يدعو إلى الجمع بين التدابير الأمنية، وآليات الأمن الفكري، من أجل مواجهة الأفكار المتطرفة.. مع أنه كان من الأولى، المطالبة برصد سير هذه اللجان من الناحية الإيجابية، والدعوة إلى تعزيزها، وكشف الجوانب السلبية، والعمل على تفاديها، لأن الهدف هو الإصلاح، والوصول إلى الآلية الناجعة في حل هذه الإشكالية، وذلك من خلال التأهيل النفسي، والرعاية الاجتماعية، الأمر الذي سيقودنا - في نهاية المطاف - إلى تطويرها باستمرار، والحفاظ على نجاحاتها.
إن كان لديَّ من اقتراح، فهو ضرورة أن تخرج لجان المناصحة الشرعية عبر وسائل الإعلام، ومواقع التواصل الاجتماعي، من أجل نشر ثقافة المناصحة الوقائية، ولتتحدث بالتفصيل عن الشبهات المشتركة لهذه الفئات الضالة، وكيفية الرد عليهم، وذلك من خلال إعداد قاعدة بيانات، لرصد الوثائق، والمواقع الإلكترونية، وكتب المنظِّرين لفكر الجماعات المتطرفة، ومن ثم تصحيح عقائدهم، والعودة بهم للاندماج في المجتمعات، - إضافة - إلى تخطيها حاجز البعد العلاجي إلى بعد آخر وقائي، والذي يشمل فئات محتملة، قد يكونون هدفاً - لا قدر الله - للاستقطاب الإرهابي، أو باعثاً عليه.