كان لفقد الملك عبد الله - رحمه الله - لوعة أسى في قلوب المواطنين والمحبين من العرب والمسلمين، ومن الأصدقاء في أنحاء العالم كافة، وقد وفدَ لتقديم واجب العزاء ومشاركة المملكة في مصابها وإعلان تأييدها لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز ملوك ورؤساء وأمراء الدول العربية والإسلامية، وزعماء العالم أو مندوبوهم، والدبلوماسيون والجاليات المقيمة في المملكة، وتقاطر المواطنون إلى قصر الحكم في الرياض وإلى إمارات المناطق لتقديم واجب العزاء في الملك الراحل وإعلان البيعة للملك سلمان وولي عهده الأمير مقرن وولي ولي عهده الأمير محمد بن نايف.
وتدفقت المشاعر عبر وسائط الإعلام الجديد من الداخل والخارج، معبرة عن دعواتها لعبد الله بن عبد العزيز وإعلان بيعتها وتضامنها وتلاحمها مع القيادة الجديدة، راسمة أجمل وأبهى صورة لوحدة الموقف واجتماع الكلمة بين الأسرة السعودية الحاكمة وأبناء المملكة العربية السعودية كافة.
أشير إلى هذا الجانب البهي الطاغي من الصورة؛ لكن ثمة جانباً آخر قاتماً قد يسيء إلى نصاعة وطهارة ونقاء ونبل تلك المشاعر الإنسانية والوطنية أو يشوهها كالنقطة السوداء في الثوب الأبيض الناصع؛ وهي ما كشفته صدمة الفقد ثم ما بيّنته الصلة العميقة بين الحاكم والمحكوم في هذه البلاد الطيبة من ردة فعل حفنة من شذاذ الآفاق والموتورين والمحتقنين والكارهين والمأزومين بأنفسهم نتيجة لهيمنة رؤية متطرفة عليهم، أو لإيمانهم بأفكار تكفيرية منحرفة تنظر إلى من يختلف معهم أنه لا يخرج من دائرتين: إما كافر أو مرتد، وينطبق هذا الزيغ والضلال في إطلاق الأحكام المخالفة منهج الشرع الحنيف على أقرب المقربين إليهم ممن قد يشترك معهم في كثير من الأفكار والمعتقدات؛ ولكنه يختلف في القليل!.
ومثلما فاضت وسائط التواصل بالمحبة والتلاحم والنبل والوفاء؛ طفحت معرفات في تويتر بما كشف عن ذلك الكم الهائل من الاحتقان والكراهية وتمني الشر لقيادة بلادنا وشعبها!.
وكما أن للمصائب وجهها المؤلم الموجع؛ فإن لها أيضاً وجهاً آخر يفيد منه العقلاء والنابهون ومن يجتهدون في البحث عن الحقيقة حتى عند من يتزينون بها ويتوشحون بكلمات الإصلاح والوطنية والذب عن قيم الإسلام كذباً وزوراً؛ فها هي تغريدات «المجتهدين» وغير المجتهدين ممن يزعمون دعاوى الإصلاح، وها هي أيضاً تغريدات من يزعمون أنهم «مجاهدون» يطمحون إلى إقامة «خلافة» مزعومة ينثرون بدون حياء ولا خجل، وفي انكشاف تام على الملأ وبعبارات صريحة أمنياتهم في أن تدب الفوضى في بلادنا، وأن تشتعل شرارة الخلافات على السلطة، وتقوّلوا وادّعوا وكذبوا وزادوا في الكذب حتى ألّفوا قصصاً ومسلسلات خيالية هي أقرب إلى الأماني والأحلام الحاقدة منها إلى الواقع!.
لقد تمنوا وطالبوا ونادوا بأن يقتل أبناء المملكة بعضهم بعضاً؛ لتدخل البلاد كما دخل غيرها من بلدان الخريف العربي كسوريا وليبيا واليمن ومصر وغيرها في حالة من الاقتتال والتطاحن والخراب لا يمكن أن تصحو منها إلا بعد هلاك البشر والحجر والأخضر واليابس!.
وإذا كان انكشاف الغايات اللئيمة لأولئك الأراذل على هذا النحو الذي أشرت إليه؛ فهل يمكن أن يكون لهم بعد ما أراقوه من كلمات تفيض بالشر ذرة من مصداقية لم يكتسبوها من قبل؟.. وهل يمكن أن يهرول نحوهم أحد من المخدوعين، أو يصدقهم أحد من المندفعين؟!
كيف يمكن أن يُسلم من يدّعي التديُّن أو الوطنية قلبه لأولئك الأدعياء والشراذم المتربصين ببلادنا والمتمنين لها الضياع والخراب والاقتتال والنزاع؟!.
كيف يمكن لصادق الانتماء لهذا الوطن والمحب لدينه ولأهله والمتطلع إلى مستقبل أكثر إشراقاً وتقدماً وإنجازاً أن يلقي سمعه ووجدانه لدعاوى الفتنة والفساد تحت أية مظلة أو لافتة أو اسم كانت؟!.
لقد أثبتت الأسرة الحاكمة السعودية وعلى مدى أكثر من 280 عاماً أنها كبيرة تترفع عن الصغائر، وتدوس الأشواك في طريقها؛ لتعبر بالوطن دائماً إلى الاستقرار والأمن والإنجاز.
دولة ثابتة الأركان، شامخة البنيان، يقودها سلمان.