أعلن مساء يوم الخميس الماضي عن مجموعة من الأوامر الملكية، اتضح منها توجه الملك سلمان - حفظه الله - في عهده الجديد ويمكن القول إن المختصر لكل هذه الأوامر وتوجهاتها، يؤكد ثابتا من ثوابت هذه الدولة، منذ المؤسس الملك عبدالعزيز وحتى اليوم، مؤدى هذه الثوابت: (الأمن والاستقرار، والتنمية ورفاهية المواطن واستمرارها ركائز هذه الدولة) فهي بمثابة أولويات ستبقى كما كانت هي الهدف الاستراتيجي للعهد الجديد كما كانت في عهود الملوك الذين سبقوه.
ولأن رفاهية المواطن، وحل مشاكله، وقضاياه، هي المسؤولية الأولى للأجهزة التنفيذية، فقد أصبح اليوم يضطلع بها فقط مجلسان:
الأول: (مجلس الشؤون السياسية والامنية) برئاسة ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء و وزير الداخلية، سمو الأمير محمد بن نايف، والمجلس برئاسته، وأعضاؤه هم المسؤولون المختصون بصدد رصد ورسم تفاصيل هذه السياسة، ورفعها إلى خادم الحرمين، لإقرارها فتنتقل من مرحلة الرصد والرسم الى العمل والتنفيذ.
المجلس الثاني: (مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية) برئاسة وزير الدفاع ورئيس الديوان الملكي سمو الأمير محمد بن سلمان، وهذا المجلس معنيٌ بقضايا التنمية، وبالذات الاقتصادية منها؛ والاقتصاد يُمثل الرئة التي تتنفس منها الدول، وترتكز عليها التنمية، وعلى منتجات أرقامها تتوقف قدرة المجتمعات على الحيوية والعطاء والتطور؛ بمعنى آخر: أعطني تنمية مستمرة ومستديمة لا تتوقف بل ولا تعرف التثاؤب، وخذ دولة حية راسخة، متطورة تملك كل مقومات البقاء.
ومن الطبيعي جداً أن لكل زمان دولة ورجال، ولكل ملك فريق عمل وأساليب إدارية لتنفيذ هذه الثوابت؛ فالخلف يبني وبما يراه الأصلح، على ما تم انجازه في عهود السلف، ويسعى إلى تذليل أية معوقات تعترض هذين الثابتين (الأمن والتنمية).
وأهم ما نقرأه في التشكيل الوزاري الجديد أنه مَزجٌ بين الشباب والشيوخ، أي بين الحماس والرغبة في التغيير التي يتميز بها الشباب غالبا والخبرة والتجربة التي تكتنف عطاء المخضرمين؛ مَزج هؤلاء بهؤلاء سيحقق النتيجة في أن الشباب سيعملون على التغيير والتطوير مستنيرين بخبرة المخضرمين وتجاربهم وحصافتهم؛ وهو تماما المطلوب كي تبقى عجلة التنمية مستمرة بتؤدة ولا تتوقف.
وهنا لا بد من القول إن إلغاء كثير من المجالس في شؤون العمل البيروقراطي التي نصت الأوامر الملكية الأخيرة على إلغائها كان قرارا صائبا، يكاد يتفق عليه جميع المعنيين بالتنمية وقضاياها؛ فهذه الأجهزة البيروقراطية المتعددة والمختلفه تحوّلت عملياً إلى عقبات كأداء، تعيق العمل التنموي وتؤخر انجازاته, فهذه المجالس واللجان في الدولة أشبه ما تكون بالبطالة المقنعة في الأجهزة الحكومية، وجودها جعل القرار التنموي الذي يحتاج إلى خطوات محددة وسريعة لينتقل إلى مرحلة التفعيل على أرض الواقع، يأخذ بيروقراطيا مرحلة أطول زمنيا و أكثر تعقيدا عمليا، ما أنتج في النهاية هذا (البطء) في كثير من القرارات التنموية والإدارية، خاصة الملحة منها.. أن تختصرها في مجلسين كما نصت الأوامر الملكية الأخيرة، معنى ذلك أن الطريق لوضع القرار التنموي موضع التنفيذ أصبح ممهدا، ولا يحتاج إلى ماكان يحتاج إليه في الماضي من خطوات كانت الحاجة إليها شبه منعدمة.
كما أود أن أشير إلى القرار الموفق الذي تضمنه أحد الأوامر الملكية بدمج كل شؤون التعليم في وزارة واحدة باسم (وزارة التعليم)؛ هذا في تقديري قرار في الطريق الصحيح، فالتعليم بكل مراحله، سواء التعليم الأوّلي، أو التعليم الجامعي داخل المملكة وخارجها، هو في النتيجة منظومة واحدة، لا يمكن فصل بعضها عن البعض الآخر، وبالتالي يجب أن تضطلع بمسؤولياتها، والتنسيق بين أجزائها، وزارة واحدة و وزير واحد يمثلها في مجلس الوزراء والمجالس المنبثقة عنه. وقرار كهذا سيلغي التباينات ويجعل التنسيق بين أجزاء المنظومة التعليمية أفضل من ذي قبل.
كل ما أريد أن أقول في هذه العجالة أن الركائز التي تقوم عليها الدولة في هذا العصر، وهما ركيزتا الأمن والتنمية والتطوير، ما زالت مستمرة، بل إن كل المؤشرات تؤكد أن رتم التنمية والحداثة والتقدم سيسير بشكل أسرع، بعد قرار اختصار المجالس واللجان المتعددة في مجلسين تنفيذيين فقط، يضطلعان برصد المتغيرات، والعمل على إيجاد حلولها، والرفع إلى القيادة بما تم التوصل إليه.
حفظ الله خادم الحرمين، وولي عهده، وولي ولي العهد الذين بهم، تأكد الأعداء قبل الأصدقاء، وتنميتها باقية راسخة، في الوقت الذي تعصف العواصف بمن هم حولها، فلا تبقي ولا تذر.
إلى اللقاء.