من الدارج في بعض الأسواق والأماكن العامة، خصوصًا في مدينة الرياض، أن تتعدى امرأة على أخرى لأنها ترتدي الحجاب بطريقة لا تعجبها، أو أنها ترتدي عباءة لا تشبه عباءتها، وقد يصل الاحتساب حده بالتعدي اللفظي، وقد يصل كما سمعنا إلى التعدي باليد في بعض الأحيان. أو قد يأتي رجل ويرى امرأة في مكان عام يشعر بأنها حرّكت رغباته -الحيوانية- فيتعدى عليها بالألفاظ باسم الاحتساب.. هذه بعض المشاهد التي تتكرر بين وقت وآخر، نراها ونسمع عنها، وإلى اليوم لا يوجد أي آلية قانونية توقفها، خصوصًا ونحن لدينا جهاز حكومي متكامل يقوم تحت مسمى هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بهذه المهام، فلماذا يأتي بعض الأفراد ممن يعتقدون أنهم يمتلكون الحقيقة المطلقة بالتعدي على حريات الآخرين تحت مسمى الاحتساب؟ أيضًا هؤلاء يقومون بالتعدي على عمل جهة حكومية هي المخولة من الدولة بأمر الناس ونهيهم في لباسهم وأشكالهم!
للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حكمة عظيمة، وحكره في الشكليات من وجهة نظري خطأ كبير، فكل منا له قناته التي من خلالها يقوم بالأمر والنهي الذي يأتي بصيغ كثيرة وأشكال متعددة من خلال محاربة الظواهر الاجتماعية الخاطئة، أو العادات والتقاليد السلبية، وكذلك من خلال التوعية والتثقيف، كل هذا بنظري يدخل ضمن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. حتى اتخاذ موقف ضد امرأة تضرب طفلها في مكان عام هو أمر بمعروف ونهي عن منكر، وتوجيه السائق المخطئ، ورفض سلوكيات رمي القاذورات في أماكن عامة.. مجمل الحديث أن أشكال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر متعددة ومتشعبة، وحصرها في اللباس الذي يختلف ما بين مدرسة فقهية وأخرى، أو شكل ولون الحجاب الذي هو أيضًا مُختلف عليه، يعتبر نوعا من التسطيح الاجتماعي والفراغ الفكري الذي يتجه صوب أمور بسيطة لا تؤذي المجتمع ولا تهدد الكيان الوطني!
إن وجود بعض اللبس في الذهن المجتمعي لكيفية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والشخصيات المخوّلة بهذه المهام، هذا اللبس يُحدث كثيرًا من الفوضى، ولنتذكر عندما كان يعمل مع جهاز الحسبة بعض المتطوعين وكمية الأخطاء التي ارتكبوها، لذا فإن كل شخص يعتقد أنه مخوّل في تغيير سلوكيات الناس، ومن حقه الاعتداء على حرياتهم، فإن هذا الأمر خطير وفي غاية الفوضى، إذا ما نظرنا إلى أن الجميع متفق وملتزم بالأساسيات الدينية والأعراف الاجتماعية في المظهر عند الخروج إلى الأماكن العامة، وكون أن شكل أحدهم أو إحداهن لا يعجبك، فليس من حقك التعدي عليه، ولا تمتلك أي صفة تخولك التدخل في خصوصياته. وحتى نتدارك هذه التصرفات التي تحدث في الأسواق وبعض الأماكن العامة من قِبل بعض الفضوليات والفضوليين، نحتاج إلى نظام يُحدد عدم التدخل في الآخرين أو التعدي عليهم بأي شكل وتحت أي مسمى، وذلك تداركًا للفوضى، وتحجيمًا للمشاكل!