قبل أكثر من عشر سنوات، تقدمت الدكتورة غادة بن خميس بمقترح مشروع المسح السمعي على المواليد، وقد عملت لسنوات كذلك على بلورة هذه الفكرة مع مجموعة عمل ضمن مشروع متكامل، وقد أخذ هذا المقترح وقتاً طويلاً إلى أن خرج اليوم إلى حيز النفاذ، حيث أقر مجلس الخدمات الصحية هذا المشروع قبل حوالي ستة أشهر، ضمن إطار خطة وطنية شاملة للتعامل الاستباقي والكشف المبكر عن مشاكل السمع لدى الأطفال حديثي الولادة.
تابعت التصريحات المنشورة حول هذا المشروع، والذي سمعت عنه قبل سنوات عن طريق صديقات مشتركات مع الدكتورة غادة بن خميس -التي لا أعرفها شخصيًا- وكنت وما زلت معجبة جدًا بتطلعاتها وما أسمع عن أفكارها. وبعد صدور القرار لم أجد لا من قريب ولا من بعيد أي إشارة لصاحبة هذا المقترح، بل إن التصريحات تصدر وتُنشر في الصحف مطرزة بالمشالح الرجالية مما يؤكد على وجود موقف ذكوري ليس ضد غادة بن خميس بعينها، بل ضد المرأة بشكل عام، وإقصائها حتى في الأوساط النخبوية التي يفترض أنها أوساط متعلمة ومستنيرة، وقبل الاعتراف بحق المرأة لا بد من الاعتراف بصاحب فكرة المشروع، لأن ظهوره بهذه الطريقة هو تجاهل لجهود الآخرين!
قبل سنوات، وعندما ظهر مشروع الفحص الطبي قبل الزواج قد لا يعلم كثيرون أنه فكرة طبيبة سعودية، تم تجاهل جهدها وتعبها وأفكارها هي الأخرى ليظهر المشروع مطرزًا بالمشلح الرجالي، وها نحن نرى اليوم نفس الأسلوب يتكرر في الظهور (والترزز)، والبروز بجهود الآخرين، فما بالك إن كانت هذه الجهود لامرأة تظل الحائط القصير في مجتمعات ذكورية تستهل الصعود على جهدها!
مشروع المسح السمعي للمواليد، هو مشروع جبار ومهم ويساهم في تقليص الإعاقات السمعية أو الحد من آثارها، ومعمول به في معظم دول العالم الأول، كما أن التشخيص المبكر هو جزء أساسي من العلاج، وعدم تفاقم المشكلة. إلا أن فرحتنا بمثل هذا القرار لا يعني أن ننسى صاحبة الفضل، ولو كنّا في مكان آخر من الكرة الأرضية لوضع المشروع باسمها تقديرًا لفكرها وجهدها وحرصها على صحة وسلامة الأطفال.
إن التمييز ضد المرأة في مجال العمل هو مشكلة عالمية، ينبغي الوقوف عليها ورصد أي تجاوز يحصل بحقها، كالذي حصل مع الدكتورة غادة بن خميس. إن جزءاً من هذه الإشكالية يرتبط بالنظرة الدونية للمرأة، والشعور بالتفضل عليها لأنها تظل أقل كفاءة كما يراها العقل الذكوري.
وفي نفس الإطار، فإن المرأة في القطاع الصحي بشكل عام، ما زالت بعيدة عن التمكين، والمراكز التي تتواءم مع قدراتها المهنية والعلمية، وإلى اليوم لم نرَ امرأة مديرة لمستشفى ولا حتى مديرة لمركز صحي صغير، فهل يُعقل أنه لا يوجد طبيبة أو إدارية قادرة على حمل هذا المنصب الذي هو حكرًا على الرجال؟! كثيرة هي الأسئلة التي تنتظر اجابات بعيدة عن الثقافة الذكورية، متجاوزة الفروق الجنسية، وتنظر فقط إلى القدرات التي تظل هي المعيار العادل للأحقية!