تمشي الكرام على آثار غيرهم
وأنت تخلق ما تأتي وتبتدع
أنت سلمان، أفْعَالُك بكر لم تسبق إليها، أميراً، فولياً للعهد، فملكاً، فأنت مبتدع في كل مأثرة لا متبع أحداً فيها، أما غيرك من الكرام فإنهم يقتفون آثار غيرهم.
أعرف الكتابة لسان في بعض الأحايين، إما لحصرٍ في الكاتب، وإما لحياء، وإما لهيبة. حتى وإن بلغت الكتابة مبلغ قوة الحق، إلا أن كلذة للكتابة يجدها الكاتب علواً وفخراً تقوم مقام الحياة والسعادة، خصوصاً وأن لبلوغ الهدف سروراً بعدل اللقاء. ولهذا ما صدرت عني كتابة في موضوع معين وصادفت الحق إلا وحمدت الله ووضعت الجزيرة (موقعاً وجريدة) على عيني وقلبي وعانقتهما، فكيف بالكتابة عن سلمان رجل الدولة منذ تمييزه وإلى أن بلغ هذا العمر.
عرفته وقت عرفت الحياة، وعرفني وقت عَملتُ قاضياً في الرياض، فرئيساً لمحاكم جازان فعضواً في مجلس القضاء الأعلى.
أكتب عن سلمان فخر المسلمين:
أنت الذي بجح الزمانُ بذكره
وتزينت بحديثه الأسمار
من عرف سلمان، ومن منا لا يعرفه، وقابله، ومن منا لم يقابله، اضطرب وفارق هيئته الأولى، واصفر لونه وتفاوتت معاني كلامه بعد حسن تثقيف، فقطع كلامه المتكلم معه واستدعى ما كحان فيه من ذكر، جئت للسلام عليه وهو في الإمارة، وإذا برجل مُقدّم في جماعته ومعه بعض رفاقه، فتقدم للكلام ثم رجع القهقري فقال له من معه: لماذا تراجعت: ما عدا عما بدا مثل يقال، فقال: هو ما تظنون، عَذَرَ مَنْ عذر، وعذل من عذل. ثم انصرفوا. وجاء إليه آخر، وأخذ يقرأ في استدعائه والرجل يتكلم فقال: انتظر يا هذا ما جعل الله لرجلٍ من قلبين في جوفه، أسرع الأشياء إنجازاً أسرعها خطأ، وأبطؤها إنجازاً أكثرها صواباً.
هذا هو سلمان، وأعرف آخر تجادل مع مدع فرد عليه قائلاً: عِلمُك والله بما في السماء السابعة أقرب مما سألته فدع المحال. فقال له: اذهب إلى سلمان، فقال لا: فوفاه حقه، وانصرف المدعى عليه مسرعاً، فسألت المدعى عن صاحبه، فقال: لم أجد له على خبر ولا أدري أَسَماء لحستهُ، أم أرض بلعته.
حدثني أحد أعضاء الهيئات قال: سويقه مجتمع النساء فرأينا رجلاً يتابع امرأة، فقبضنا عليه فقال: اعملوا بي ما شئتم إلا سلمان.
سلمان: أنت أقرب إلينا مطلباً من الشمس والقمر، هما دونك في جميع أحوالك، فأنت أعم نفعاً، وأشهر ذكراً، وأعلى منزلة وقدراً، فأنت -على علوك وبعدك- فإن الوصول إليك والإفادة منك أقرب وأيسر:
فجئناك دون الشمس والبدر في النوى
ودنك في أحوالك الشمس والبدر
ولعهدي ببعض من يُحسن القولَ، ممن كان يدري ما يقول ويحسن ذكراً لمآثر والمفاخر ويعبر عما في ضميره بلسانه بعبارة جيدة ويجيد النظر ويدقق في الحقائق أن يجيد الكتابة عن سلمان فهو أشيد بدارة الملك عبدالعزيز يضم: الحكمة والقوة والسياسة والتاريخ والعلم، فالكاتب حتى وإن كان ممكن الوصول، داني المزار لا يمكن أن يفي هذا الرجل واحداً من عشرة من صفاته.
وأتعب خلق الله من زاد هَمُّهُ
وقصَّر عما تشتهي النفس وجده
فسلمان: هو من قويت رغبته في الحق، وبَعُدتْ همته، واتسعت معرفته ولم تضق مقدرته.ولولا خشية أن أتهم -من أهل التهم- لقلتُ عنه ما لم يقله المتنبي في سيف الدولة.
عاش مع ستة ملوك، ذو هيئة، حاذقاً، يكتفي الإشارة، يصيب المرمى، ويحسن من ذات نفسه ويضع من عقله ما أغفله غيره، يؤدي عمله كما أمر، وينتهي عما نهى الله عنه وزجر، كأنما كان للأسرار حافظاً، وللعهد وفياً، قنوعاً صحاً، يدني من لا يوبه له لصباه، أو لهيئته، أو بذاذته في طلعته (أي لسوء حاله). نفسه تفوق كل أصل شريف.
أنتَ الوحيد إذا ارتكبت طريقة
ومن الرديف وقدر كبت غضنفرا
هذا هو سلمان، منفرد في كل طريقة يأتيها، ويحاولها، لا يقدر أحد أن يحذو وحذوه في طرائقه لصعوبتها وامتناعها، فهو كراكب أسد لا أحد يقدر أن يكون رديفاً له.
أكتب عمن يستحق الكتابة عنه، فالكتابة ديانة وأمانة ومن ذلك أن لا يقول خلاف ما يعتقد فالقول عمل، أما استحسان الحسن في الكتابة فطبع لا يؤمر به ولا يُنهى عنه إذ القلوب بيد مقلبها ولا يلزق غير المعرفة والنظر في فرق ما بين الخطأ والصواب، وأن يعتقد الصحيح باليقين هذا هو منهجي في الكتابة، أما عن سلمان فَخِلقَةٍ لا أملكها، وإنما أملك حركات جوارحي المكتسبة.
يلومُ رجال فيك لم يعرفوا الندى
وسيان عندي فيك لاحٍ وساكتُ
له تاج المجد، ليس كمثله أحد، جمع ما تفرق في غيره من العلية.
- رجل دين ودولة.
- يحب الصدق ويمقت الكذب.
- الناصح بحق أحب إليه من المجامل.
- يكره المداهنة والمصانعة.
- قوته في الحق لم تبعد الناس عنه.
- يكره الظلم وأهله، وهنا أبشروا أصحاب المظالم والحقوق برد مظالمكم.
- أشجع من عرفت أو قرأت عنه.
- رحيماً بالصادق مبغضاً للكاذب.
- جمع الله فيه صفات الأولين والآخرين من الصادقين والصالحين.
- يحب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بضوابطه.
- يحب الجمعيات الخيرية كجمعية تحفيظ القرآن وجمعية الإسكان.
إلخ ما أعرفه عنه. أرجو أن يكون الله قد أحبه لمحبة الناس له.
وإن مما أفتخر به وأخبر عنه، ما أنعم الله تعالى به على هذه البلاد من طاعة الله التي هي من أعظم النعم ولاسيما في المفترض على المسلمين اجتنابه واتباعه، ومن ذلك نعمة الأمن على هذه البلاد ونعمة حكامها، وأن الله قد حفظها بحفظه لمكة والمدينة، وبحفظه لولاة أمرها فالحمد لله على ذلك حمداً موافياً لنعمه، مكافئاً لمزيده، أن هيأ لنا خير خلف لخير سلف، فاجتمعت عليه الكلمة، وساد الائتلاف، وأبعد عنا الاختلاف، فالله خير حافظاً وهو أرحم الراحمين.