مقتل الطيار الأردني «معاذ الكساسبة» من قِبل الدواعش، وبهذه الطريقة الهمجية التي لا تمت للإسلام ولا لقيم الإسلام بصلة، ألقى الضوء مجدداً على الخطر الداعشي، ومعه الإرهاب والإرهابيين، وأشارت بوضوح إلى أنّ التحالف الدولي ضد داعش وأخواتها وثقافتها، لم يُحقق ما يجب أن يحققه تحالف من 60 دولة، ضد عصابات بدائية، عدة وعتاداً، وثقافة تغرف أدلتها وقناعاتها من كتب التاريخ الصفراء؛ ما يجعل من الضرورة على الحلف العالمي إعادة التفكير قي إستراتيجية هذه المواجهة، بعد أن أمضت قرابة الأربعة أشهر، ولم تحقق من المنجزات على أرض الواقع إلا القليل والقليل جداً .
داعش خطر ليس على الإسلام والمسلمين فحسب، وإنما خطر على الإنسانية جمعاء، وعلى دول المنطقة وأمنها واستقرارها على وجه الخصوص؛ فالحملة الجوية أثبتت الآن أنها لا تكفي، ولا بد مما ليس منه بد : المواجهة على الأرض، ومن قِبل جيوش متحالفة، على نمط التحالف الذي حرر الكويت، وطرد صدام وجيشه منها وهذا ما لا يريد الأمريكيون، الذين يتولون قيادة التحالف الاعتراف به . الرئيس الأمريكي «أوباما» يتحاشى أن يرسل أي قوات برية لأسباب وبواعث مختلفة، ويحاول أن يستعيض عنها بدعم الجيش العراقي وتسليحه وتدريبه، من جهة، ومن جهة أخرى تلمس حلولٍ سياسية للحرب الأهلية السورية؛ ومن الواضح أنّ الجيش العراقي المفكك والمنهك والضعيف معنوياً والمتشظي طائفياً، لن يحقق في المدى المنظور على الأقل مثل هذه المهمة الصعبة . كما أنّ الجيش الكردي - (الباشمركة) - ربما يساهم في الحل والمواجهة على الأرض، غير أنّ قضية داعش وأخواتها، أكبر منه ومن إمكاناته، وسيظل أضعف من مواجهتها وهزيمتها، وإن حقق بعض الانتصارات المحدودة هنا وهناك . أما في سوريا، والاعتماد على المعارضة السورية، فقد ثبت أنها أوهى من بيت العنكبوت، فهي أحد الأسباب التي مكنت الدواعش ومن معهم ودار في فلكهم، لأن يصلوا إلى ما وصلوا إليه، وليس من المنطقي أن يكون سبب المشكلة حلاً لها. لذلك، وبعد فشل المواجهة الجوية من أن تقلم أظافر هؤلاء الوحوش الدموية، لا حل إلا بالمواجهة البرية، ليس في سوريا والعراق فحسب، وإنما في مصر و ليبيا واليمن أيضاً , وأينما وجدت السلفية الجهادية، وانتشرت ثقافتها .. صحيح أنّ المواجهة البرية مكلفة مادياً وسياسياً، إلا أنّ العالم سيضطر إليها حتماً، مثلما أضطر يوماً إلى مواجهة طالبان والقاعدة في أفغانستان،حينما امتدت عملياتها إلينا في المملكة وإلى الولايات المتحدة، وأغلب دول أوربا والعالم . وأرى أن من العبث، وإضاعة الوقت والتشبث بالتفكير الرغبوي، التهرب من المواجهة على الأرض، وقد ثبت جلياً الآن أن المواجهة الجوية لن تحقق المطلوب لحماية العالم ودول المنطقة من هذا الوباء الظلامي الذي يتمسح بالدين؛ فالأردن - مثلاً - شعرت بالخطر، وحاصرت هذه الثقافة واتحد الأردنيون لمواجهتها مثلما لم يتحدوا من قبل لحماية بلدهم وأمنها واستقرارها، خوفاً من أن تلتحق بسوريا والعراق؛ هذا رغم قوة ونفوذ التيار السلفي الجهادي وتفشي ثقافته بين قطاعات واسعة من الأردنيين،ير أنّ جريمة حرق الطيار البشعة، أيقظت الأردنيين ونبهتهم لخطورة هذه التيارات المتأسلمة الدموية على أمنهم واستقرارهم، وحاصرت هذه الثقافة الظلامية، وجعلت كثيراً من أقطاب السلفيين الأردنيين يتبرؤون من الدواعش وممارساتهم، رغم أنهم والدواعش ينهلون أيديولوجيا من ذات المنهل؛ فالعصا أخت العصية في النتيجة والشواهد ومنهج الاستدلال.
بقي أن أقول إنّ بشاعة هذه الجريمة ووحشيتها وفظاعتها بكل المقاييس، ستشكل نقطة تحول محورية في تعامل العالم مع هذه الوحوش البربرية، الذين لا حل لهم غير المواجهة على الأرض وكذلك مواجهة الثقافة الجهادية السلفية، وتتبُّع جذورها المعرفية، وتجفيف منابع تمويلها، كي لا نقضي عليها في سوريا والعراق، وتعود وتنبت في أماكن أخرى من العالم ..
إلى اللقاء .