إبراهيم بن سعد الماجد
إن تكتب بناء على تخيلات تتوقعها، أو أنباء تسمعها، يختلف كلية عن أن تكتب من وسط الحدث.
في مساء من مساءات هذا الوطن الغالي على قلوبنا، كنت في رفقة صاحب السمو الملكي الأمير الدكتور فيصل بن مشعل بن سعود بن عبدالعزيز أمير منطقة القصيم، الذي صدر الأمر الملكي الكريم بتعيينه في هذا المنصب قبل أيام.
في رحلة استغرقت قرابة 45 دقيقة من مطار الملك خالد الدولي بالرياض إلى مطار الأمير نايف بالقصيم كان سمو أمير منطقة القصيم الجديد القديم.. الجديد بتوليه إمارة المنطقة، القديم كونه يعرفها وتعرفه على مدى تسع سنوات نائباً لأميرها.. كان يسأل الله العون والتوفيق وأن يكون عند حسن ظن ولاة الأمر، وأن يحقق لأهل المنطقة ما يتطلعون إليه.
حطت الطائرة فكانت البهجة تعلو وجوه هذه الحشود الكبيرة التي امتلأ بهم أرجاء مطار الأمير نايف، عبارات الترحيب، ودعوات التوفيق ضجت بها أرض المطار، فلم يكن هناك لحن أعذب من هذا اللحن القصيمي الأصيل.
كنت قريباً من سموه وهو يتلقى التهاني فما وجدت وصفاً يمكنني أن أنقله لكم ويكون مطابقاً لما شاهدته وسمعته إلا استقبال الأبناء البررة لوالدهم الحاني عليهم الذي يأخذهم بأحضان عباراته وقسمات وجهه المضيء المستبشر بكل خير، ثقة في الله وأملاً فيما عنده.
(لن أطلق الوعود) كانت هذه أولى عبارات سموه لوسائل الإعلام التي كانت محتشدة عند سلم الطائرة، في رسالة واضحة على أنه من الذين يريدون أن تتكلم الأفعال قبل الأقوال، وهذا ما أكده في كلمته في الاحتفال الكبير الذي أقيم بعد ساعة من وصوله.
وقفت متأملاً هذه الأعداد الغفيرة من كبار المسؤولين والوجهاء وعموم المواطنين الذين جاءوا من كافة أنحاء المنطقة يدفعهم حبهم وفرحهم بهذا المقدم المبارك، وقلت في نفسي لو لم تكن من المسؤولية إلا هذه الثقة وهذه المحبة لكانت لوحدها أكبر حمل يحمله سمو أميرنا المحبوب.
{رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا} (10) سورة الكهف، (اللهم إني أبرأ إليك من حولي وقوتي وألجأ إلى حولك وقوتك).
بدأ سموه كلمته الموجهة للمواطنين بعقيدة المؤمن الحق مذكرنا بخطب مؤسس هذه البلاد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن - رحمه الله - وما أعظمه من مبتدأ.
أقامت لك الأفراحُ أحسن ما بد
وغنّتْ لك الأيامُ ما كان أرغدا
أيا (فيصل) الأفعالِ كمْ لك من يدٍ
تهادتْ بها الخيراتُ ختمًا ومبتدأ
سموتُ إلى العلياء في كل موطنٍ
تغادرُهُ حتى يحن مُجددا
مشاعر أهل القصيم صاغها الشاعر أحمد اللهيب في قصيدة جميلة معبرة طربت لها الآذان وصدقتها الألسن وكأن الجميع يقول صدقت صدقت.
في كلمة سمو الأمير الدكتور فيصل بن مشعل نبرة الإقدام والإصرار على تحقيق تطلعات قائد المسيرة خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - للرقي بهذه المنطقة، (أيها الأخوة الكرام أهالي هذه المنطقة الغالية على قلبي الملازمة لفكري والمؤتمن عليها وعلى أهلها في ذمتي.. لقد حملني سيدي خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين وسمو ولي ولي العهد السلام لكم وحرصهم على كل شؤونكم كما حملني سيدي خادم الحرمين الشريفين أمانة عظيمة ومسئولية كبيرة لخدمتكم وبذل ما أستطيع من جهد لإكمال مسيرة النماء والخير وكل ما يرتقي بهذه المنطقة ويجعلها في مصاف المناطق الغالية والمتقدمة في سلسلة العقد الفريد لمملكتنا الغالية أعزها الله بالإسلام.
إنني أيها الأخوة من هذا الموقف لأستشعر ثقل الأمانة وعظيم المسؤولية وأسأل القوي العزيز أن يعينني على إبراء الذمة فيما أديت القسم عليه يوم أمس أمام سيدي خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - وأيده بعزه ونصره).
مسحت بكفيك القصيم مودةً
ستبني له عهداً من البشرِ أرشدا
أيا ابن الأُلي قد خلد المجدُ ذكرهم
(قصيمك) أضحى في رؤاك مُخلداً
كان بجواري في الحفل رجل الأعمال الشيخ عبدالله بن صالح الشريدة الذي بدأ مغتبطاً مثنياً مبتهجاً بهذا الأمر الملكي الكريم، ذاكراً خصال الأمير التي جعلته قريباً من قلوبهم، محبوباً لنفوسهم، مشاعره كانت مشاعر كل من قابلني داخل الحفل وخارجه.
نقلت لسموه هذه المشاعر فقال: إنها والله الحمل الثقيل.
صباح اليوم الأول لسمو أمير منطقة القصيم في قصر الإمارة كان مليئاً بالمهمات، فعند وصوله كان مسؤولو الإمارة من وكلاء ومدراء وكذلك رؤساء مراكز وموظفي الإمارة وبعض القضاة وجمع من المواطنين في استقباله، وبعد ذلك انتقل سموه لقاعة أخرى, حيث استقبل أصحاب الحاجات والشكاوى واستمع إليهم، ومما لفت نظري وأدمع عيني ما يلقاه أصحاب الحاجات والظروف الخاصة من عناية وبت في قضاياهم بروح أبوية حانية من قبل سمو الأمير - يحفظه الله - وللحقيقة هذا ديدن سموه داخل المسؤولية وخارجها.
وكان للنساء لقاءً بسموه من خلال النافذة فجلس مستمعاً وقارئاً لما كتبن من استدعاءات وحاجات.
كانت ليلة ويوماً حافلاً بالكثير من المشاعر والمحبة والإنجاز، وكانت فرحتي أكبر من أن أصفها في كلمات معدودة لهذه اللحمة الوطنية الجميلة، فما أصعب أن يصف الإنسان فرحه.
سموتَ إلى الإفضالِ في مستقره
وحقٍّ عليه أن يُنصبك سيّدا
إمارتك الحسناء تاهت بحسنها
وصرت لها تاجاً من العز مفردا
تجرّ ثياب الزهو أنت أميرها
وترنو إليها أنفسٌ بتن حُسدا
فما أنست حتى رأتك أميرها
ففاحت رباها منك عطراً وعسجدا
أقل عثرة الأيام إن شغافها
تقطعن من شوق فجئنك قُصدا
وقد وردت من قبل لقياك مشربا
فجاءت عطاشى تبتغي منك موردا
تجمع فيك الفخر من كل جانب
أميرٌ ودكتورٌ وعلمٌ تفردا
بعيد السواقي ينتهي الخير عنده
فتبسم أيامي وتسعد إن بدا
وبعد.. أقول لأهلنا في منطقة القصيم نعم الاختيار الذي اختاره لكم خادم الحرمين الشريفين الملك الموفق سلمان بن عبدالعزيز، فقد بركم بسموه، فهو من نعم الله على منطقة القصيم، ووالله إنني أقول ذلك صادقاً وأنتم بكل تأكيد تؤمنون على قولي، فهذا الأمير الذي تميز بحبه الكبير لقيادته، ووطنه، وشعوره الكبير بعظم مسؤوليته، واستشعاره بعظم القسم الذي أداه بين يدي ولي الأمر {وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} (76) سورة الواقعة، أقول إن شعوره بعظم المسؤولية يحتم على كل مواطن صالح في سدة مسؤولية بالمنطقة أن يكون خير معين لهذا الأمير للنهوض بالمنطقة التي وعد سموه بأن تكون من أميز مناطق المملكة.
اللهم أحفظ لنا ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين وولي ولي العهد وأعوانه، ووفق أمير منطقة القصيم الأمير الدكتور فيصل بن مشعل لما فيه خير البلاد والعباد. والله المستعان.