د. عبدالرحمن الشلاش
أثار اهتمامي خبر صحفي قرأته عن عزم مجلس الشورى طرح مقترح لتعديل المادة 69 من نظام القضاء، التي تنص على أن «تُنهَى خدمة القاضي إذا حصل على تقدير أقل من المتوسط في تقرير الكفاية 3 مرات متتالية». بعض أعضاء المجلس طالبوا بأن يكون التعديل بإنهاء الخدمة بعد حصول القاضي على هذا التقدير المتدني خمس مرات متفرقة خلال خدمته الوظيفية.
لجنة الشؤون الإسلامية بالمجلس بررت التعديل المقترح بتبريرات غير منطقية وغير مقبولة. من هذه المبررات أن التعديل إذا ما تم سيحفز القاضي على تجويد عمله إنجازاً وإتقاناً ومنع أسباب الإهمال. ولا أدري هل منح القاضي فرصاً طويلة وعلى مدى خمس مرات متفرقة سيحفزه لتحسين أدائه وتجويد عمله أم تقليل المدة قدر الإمكان؟ بصراحة، لم أقتنع بالتعديل، ولا بالمبررات التي ساقتها اللجنة.
يذكّرني هذا المقترح للجنة بمادة من مواد نظام الخدمة المدنية، تنص على أن يحرم الموظف من العلاوة السنوية إذا حصل على تقدير غير مُرْضٍ. وطبعاً، لا يحصل على تقدير غير مُرْضٍ إلا الموظف غير المبالي أو المهمل معدوم الإنتاجية وكثير الغياب. السبب بالتأكيد أن درجة غير مُرْضٍ تقل عن الستين في المائة، إضافة إلى ضعف معايير التقويم، وجهل كثير من الرؤساء والمديرين بطرق تطبيقها على الوجه الصحيح. فالموظف يستطيع جمع الدرجات المطلوبة من محور العلاقات والنمو المهني وغيرها من المعايير الضعيفة جداً، التي ساعدت على بقاء كثير من الموظفين متدني المستوى وتكاثرهم على المدى الطويل بسبب حالات الإحباط التي تحيط بالموظفين المميزين، وعدم تقديرهم، ومساواتهم بالضعاف.
كنتُ أتمنى أن تنحو مقترحات المجلس منحى أكثر شدة وصرامة، خاصة في مجالات يُعدُّ الخطأ فيها جسيماً، وضرره يكبد من يطوله خسائر نفسية أو مادية. مهمة القاضي تحقيق أقصى درجات العدل بين الناس، وتحري الدقة بدراسة القضايا بعمق وروية، وصرف الوقت الطويل، وإصدار الأحكام المُرضية لجميع الأطراف.. وتحقيق كل هذه الأمور يتطلب تمتع القاضي بفهم عميق في مجال تخصصه، وحضور ذهني، ووجود مستمر على رأس العمل، ومهارات عالية.. وهذه المواصفات لا يمكن أن توجد لدى قاضٍ يبحث عن تقدير وظيفي فوق المتوسط. وليس من مصلحة العمل القضائي أن يبقى فيه قضاة ضعاف، لا يحسنون أداء العمل بالشكل المطلوب. ونحن نعرف معوقات العمل القضائي، التي سبق طرحها من أكثر من زميل، وتداولها الناس في المجالس، منها حضور القضاة المتأخر، وانصرافهم المبكر، وتعطيلهم لكثير من القضايا؛ ما أضر بمصالح أصحابها. سيثار سؤال عن كيفية تقييم القاضي، ومعايير تقييمه، ومَن الذي يقوم بتقييم القاضي؟ وهل التقييم يتم مكتبياً أم أن من يقيم القاضي يحضر جانباً من المرافعات أمامه؟ فإذا كانت المعايير ضعيفة والتقييم مكتبياً وشكلياً فإن أغلب القضاة إن لم يكن كلهم سيحصلون على أعلى الدرجات.
أتمنى أن لا يتبنى مجلس الشورى مثل هذه التوصيات، خاصة في الميدان العدلي الذي يحتاج لرفع مستوى معاييره؛ كي لا يبقى إلا المميزون جدًّا حنكة ودهاء وخبرة وإنجازاً يحرك تلك القضايا الراكدة منذ سنوات.