د. خيرية السقاف
من المفارقات التي تعزّز للمواطن أن يكون صالحاً، ومعيناً، وأميناً على وطنه، وأهله، وجيرانه، وكل شبر في ترابه أن ينظر بعين العقل بين واقعه، وما هو عليه حال الذين من حوله..
إن الإيمان المطلق بأن لا كمال إلا لله تعالى..، لذا لا ندَّعي مثالياتنا، ولا نتفوّق عن البشر بعدم الخطأ، أو السهو، أو التفريط.. لكن في كثير مما يفتقده من حولنا، ومن هم أقصى عنا، فإن كفة الميزان ترجح لنا، لا علينا بكل تأكيد.. حين يصدق المرء منا مع نفسه، وليس بالضرورة أن يسأل عن صدقه معرفةَ الآخرين به..!
من الأدلة التي ترجح كفة الميزان لنا، تلك المقارنة في العقوبات، وفي المثوبات، وفي الباب المشرع في بيوتنا في جنح الظلام، وتلك الأبواب المغلقة في وضح النهار في البلدان المجاورة على أقل تقدير، ناهيك في المجتمعات التي تنوّعت عناصرها، وصور حرياتها، وأنماط البشر فيها، واختلفت مبادئهم، ومعتقداتهم، وأخلاقهم..!!
وتلك المقارنة بين محطة وقود، وصيدلية، وموقع تموينات قد يغفو الساهر فيها هنا وأبوابها بلا أقفال وهو آمن، وبين تلك التي تسلط فيها الأسلحة على رأس نظيره هذا الساهر في مدن العالم الصاخب، بل أيضاً نهاراً جهارا، مع أن مدنهم أولئك وساكنيها، بل قراهم، وطرقاتهم يتمتعون فيها بقوانين صارمة، وبحياة مدنية تعج..،
لكن كثيراً، بل دائماً ما ينظر إليها قبلةً لطموحات المتذمرين من بني يعرب..!!
ما أوحى لي بهذه المقارنات والمفارقات، ما تم بالأمس من مناصحة ثمان من النساء بالكلمة الطيبة، والبراهين الساطعة حين كن قاب قوسين أو أدنى من الشتات،..، في حين يتم السجن، والتعزير، وتنزل أشد العقوبات بأمثالهن في المجتمعات الأخرى، وأولها تلك الدول الكبرى التي تحاسب الناس على الشبهة، وإن كانت في النوايا...،!!
فمنهج الكلمة الطيبة، تلك التي تحمل الأحسن وتمثل الحسنى، هو منهج قيم، يُقتدى به في مسلك نبي الأمة ورسول السلام، والأمن على الأرض، ومع البشر، وفي معالجة النفوس عليه الصلاة والسلام، من خاطبه عن هذا المنهج في سلوكه ربه العظيم سبحانه موجهاً له:..
{وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}...، وقائلاً عنه: {وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ}...
ولأننا في مرحلة نحتاج فيها للموآزرة، وللالتفاف نحو إصلاح النفوس، والأذهان، وتصويب المسار الفكري عن مفهوم الإصلاح، والتطهر من المفاسد الذاتية، والفردية، والحفاظ على قيم المجتمع، والنهل من وريد المصدر..
فإن الإصلاح الجمعي لا يتم كماله، أو حتى بلوغه كفايات مرضية إلا على هذا النحو من الاحتواء والمناصحة في المؤسسة الرسمية متى كان الأمر يوجب، كما لا يتم إلا متى أخذ كل فرد بكفاية نفسه من قيم هذا الإصلاح.. وسيرها وفق غاياته السلمية مع النفس ومع غيرها.
كذلك يتم بالأخذ بأيدي الطفل، والغر، والجاهل، والذي لا يعلم، والذي يحتاج لأن يعلم، والذي يتخبط، والذي يحتاج لأن يستقيم نحو توظيف المواطنة الصحيحة سلوكاً ينضح بالثقة في النفس مهما قصرت، وبالأخ مهما مرق، وبالجار مهما جفا، وبالمسؤول مهما سها، أو قصّر، وبالجماعة مهما فرّطوا، ليكون الخيط الأبيض في حب الوطن هو الهدف، وهو كفيل بتذويب الخيط الأسود مهما نبت.. وذلك بتوسيع الصدور، وفتحها مراتع للجميع، ليكون الوطن نازلها الذي لا يغادرها مع الزفرة، والشهقة، ومع اللمحة، والطرفة..، في الغفوة، واليقظة..
إن الوطن أمانة المواطن، وإن النور لا يتم وهناك رماد يذره اللاهبون...!
وإن العضد لا يُشَد، وهناك من يفت في قوام نسيجه..!
ومع أن الكمال ليس مزية البشر، ومن ثم حياتهم التي يعيشون، فهي تتقلب بين زيادة ونقص، وخير وشر،..
لكن الحياة، تحديداً حياة الأوطان لا تكون سعيدة تنحو للكمال أقربه إلا بمواطنين يعملون، وقلوبهم على نبض نوايا العطاء، والتعاضد، والسلام ملتحمة..!!
ليبقى الوطن قرة العين، وتكون العين بصره وبصيرته.