سعد الدوسري
حين تروي قصة من المخيلة، فإنك تملك حق اختيار الشخصيات والأحداث والأزمان والأمكنة. لن تكون هناك حدود تلزمك، وسيكون التحدي الوحيد أمامك، هو قدرتك على تخيل ما لم يتخيله أحد قبلك، وعلى استخدام الأدوات التي تؤثر في المتلقي الذي يتلقاك.
أما حين تروي قصة حقيقية، فإنك مضطر أن تلتزم بالزمان والمكان والأحداث والأبطال. لن يكون بمقدورك أن تضيف رأيك أو أن تخرج عن النص الذي وضع نفسه في تاريخ محدد وفي جغرافيا معينة سلفاً. وأي محاولة منك في هذا الصدد، ستجعلك في خانة المغالِطين، وسوف لن يستمع لك أحد بعد ذلك، حتى ولو التزمت بعد ذلك بشروط الحقيقة.
هذا هو مأزق من يحاول أن يقدم عملاً وثائقياً، سواءً كان هذا العمل مقروءاً أو مرئياً.
أية محاولة لإظهار العمل بشكل إبداعي، سوف تُفسّر على أساس أنها تزييف للحقائق. لذلك، فإن الذين ينجحون في إخراج الأعمال الوثائقية، هم أولئك الذين يصورون الواقع كما هو، دون ممثلين ودون إضاءة ودون ديكور؛ تصوير مِرآتي للتفاصيل كما هي، حتى دون زوايا إبداعية ولقطات مميزة. ومقياس النجاح هنا، هو اختيار الموضوع والجرأة والشجاعة في طرحة.
إن المنجز الذي حققته تجربة الأفلام والبرامج الوثائقية في المملكة، لا بد أن يكون مظلوماً، فلا أحد يريد أن يموّل الفيلم الوثائقي، ولا أحد يريد أن يسهم في تقديم المعلومات له، ولا أحد يريد أن يعرضه. وفي النهاية، نحن أمام الحالة الأولى، التي يكون الراوي فيها خارج التوثيق، يحكي لنا عن خيالاته، التي لا علاقة لها بتاريخ الواقع ولا بجغرافيته.