سمر المقرن
من الدارج أن نسمع في مجتمعنا جملة مثل: (مسكينة.. للحين ما تزوجت) بينما لا يمكن أن يُقابل الرجل الذي وصل إلى سن متقدم دون زواج بمثل هذه النظرة المتعاطفة. مع العلم أننا لو نظرنا إلى واقع الفتيات غير المتزوجات واللاتي تعدين سن الثلاثين، سنجد أنهنّ في الغالب وصلن إلى هذه السن دون زواج برغبتهن، فلم تعد الفتاة تترقب فارس أحلامها الذي يوفر لها حياة بديلة عن بيت أهلها، ولم تعد تنتظر من يوفر لها مصروف الحياة الأساسية من مأكل ومشرب وملبس، لأنها قادرة على توفير كل هذه الاحتياجات لنفسها، والمرأة اليوم موظفة وعاملة وقادرة على إعالة نفسها، بل وأحيانًا تعول أسرتها، إذن العنوسة ما عادت إجبارية كما كنّا في السابق، ولم تعد الفتاة التي لم تتزوج بسبب أنه لم يطرق بابها عريس المستقبل، بل لأنها هي التي لم تجد الرجل الذي ترى فيه مواصفات الزوج المناسب الذي يُرضيها، فاختارت أن تعيش بدونه، ملقية خلفها العادات والتقاليد البالية التي ترى في المرأة التي لم تتزوج أنها (معيوبة) أو تلك الأمثال القديمة التي تقول: (ظل رجل ولا ظل حيط) فالمرأة اليوم إن لم يكن الرجل الذي تريد فهي ترى أنه من الأفضل أن تبقى بلا نصفها الثاني ولا أن تقترن برجل لا يتوافق ومكوناتها الفكرية والعاطفية، أو أن يُشكل عبئًا زائدًا على حياتها!
لماذا ينظر المجتمع للمرأة التي تجاوزت سن الزواج بالشفقة ولا ينظر نفس النظرة للرجل؟ ثمة أفكار ما زالت قائمة مع أن مسبباتها زالت، فقد كانت الشفقة لأنها تعيش بلا زوج يعولها، واليوم أغلب النساء بما فيهن المتزوجات هنّ من يعلن أنفسهن، بل إنهن شريك أساسي في مصاريف البيت والاحتياجات الأسرية، فما الذي يجعل المجتمع ينظر هذه النظرة للمرأة وأسباب الشفقة ما عادت موجودة في هذا الزمن؟
المرأة اليوم متعلمة ومثقفة وما عادت رؤيتها للزواج كما كان في السابق، أيضًا لم يعد من الأولويات فهناك الشهادة والنجاح وتحقيق الأحلام المهنية في مقدمة طموحاتها، والزوج لم يعد في نظر المرأة اليوم هو رجل يطرق الباب، بل هو رجل قادر على بناء الأحلام المشتركة والحياة المستمرة، المرأة اليوم تنظر للرجل الذي يستحق أن تشيخ معه، لا الرجل الذي يأتيها بحثًا عن إرضاء ملذاته، وبعد أن يُشبعها يبحث عن أخرى بديلاً لها تُرضي هذه الملذات المؤقتة، الزواج في نظر المرأة اليوم هو حياة مستمرة مع رجل يُرضي كافة الجوانب الفكرية والإنسانية لديها.
لا أدري متى يعي المجتمع مفهوم الحرية الشخصية وعدم التدخل في خصوصيات الآخرين؟ لا أدري متى سُتردم آفة الفضول وكثرة الأسئلة الشخصية وترديد الجمل التي تزيد من النظرة الدونية للمرأة؟ وللعلم، فأنا شخصيًا لست مؤيدة لفكرة العنوسة الاختيارية سواء للمرأة أو الرجل، وضد فكرة العزوف النهائي عن الزواج، لكنني أؤيد أن يكون الاختيار مبني على العقل وأن تكون المواصفات دقيقة لبناء حياة سعيدة وطويلة، وأن لا يتم الزواج إرضاءً للناس بقدر ما أن يكون إرضاءً للعقل والذات.