ناصر الصِرامي
(.. توقفت عن الدوران في مكتب الجمعية بالدمام، عيون فريق العمل متعبة تنتظر ما يسفر عنه ارتباك مفاجئ والحركة مضطربة، فجأة صرخت بصوت عال: في لمح البصر، حينها تأكد لنا جميعاً أننا مسكنا أول الحبل وبدأنا الصعود.
قبل تلك اللحظة بدقائق، حسمنا أمر إطلاق النسخة الثانية من مهرجان أفلام السعودية، وهو قرار أقرب للمقامرة منه للمغامرة، فلم يكن في رصيد الجمعية ريال واحد من الميزانية التقديرية لمصاريف المهرجان، التي تضمنت تكاليف سفر وضيافة كاملة لما يقارب 90 ضيفاً ولمدة 5 أيام، مكافآت لجان التحكيم ومدرب الورش، إضافة إلى تكاليف 12 جائزة مالية وأخرى عينية، يتبعها قيمة الطباعة والهوية وكل ما يتعلق بمصير المهرجان بما فيه من تجهيز الصالات تقنياً..!
مبنى جمعية الثقافة والفنون بالدمام الفقير والمستأجر، بدأ يشعر بحركة مغايرة لما هو مألوف، وبين يوم وآخر تحول المبنى إلى خلية عمل، الكل يعمل مفترضاً أن الأمور المالية والإدارية قد تم إنجازها، في حين أن شيئاًَ من ذلك لم يتحقق بعد..!
كانت الثقة في تحقيق إطلالة المهرجان على أرض الواقع موجودة وإن على قياس متواضع يتساوى مع الإمكانيات المتوقع توفرها، ولكن الأمر انقلب دفعة واحدة بمجرد أن تم إشهار موقع المهرجان الإلكتروني وبدأ معه تلقي المشاركات... 104 أفلام، 72 سيناريو لم ينتج بعد، 190 شخصاً يسجل في الورش الثلاث، 400 متطوع ومتطوعة للعمل في خدمة المهرجان ... هنا دب حماس صناع الأفلام والمشاركين وكأنما سريان طاقة غامضة شملتنا ولم تتوقف حتى نهاية المهرجان.
أحد صناع الأفلام الشباب عرض علينا المساعدة بما يملك من مال يدخر في حسابه الشخصي، آخرون قدموا خدماتهم الإبداعية، والبعض الآخر قدموا أنفسهم جنوداً للمهرجان، قادمون من مختلف مناطق المملكة على هيئة مبرمجين.. معدين.. مصورين.. منتجين.. محررين ومترجمين لكل ما نحتاجه ونطلب..!
كثير من المواقف التي أظهرت بوضوح تام، مدى الرغبة والشغف للمشاركة حتى لو كان الأمر في أضعف حالاته.. ويكفينا القول إننا أقفلنا باب المشاركة في موعده المعلن، أي بعد شهر واحد فقط من الإعلان عن المهرجان، ولم يكن ضمن الإعلان وقتها أية جائزة مالية، حتى اقترب موعد بدء المهرجان، إلى أن تم الوصول إلى اتفاقات مع شركاء من القطاع الخاص آمنوا بأهداف المهرجان، وقدموا الدعم المطلوب، ليظهر المهرجان بالشكل اللائق.
كلي ثقة بأن ما أقنعهم ليس إلا حماس صناع الأفلام، تلك الكهرباء وهي تعبرنا، تضيء الطريق، وتدفعنا مشحونين من الطموح إلى التخطيط للدورة الثالثة من مهرجان أفلام السعودية العام القادم)).
* كنت مع الصديق أحمد الملا، مدير مهرجان أفلام السعودية، في الدورة الأولى، كانت الأحلام كبيرة والواقع بسيط، لكنه اليوم وبإصرار متفرد يجسد بعض الحلم ويسعى لبقيته التالية، وهنا بشكل خاص أكتب هذه التفاصيل الدقيقة للانجاز عبر هذه المساحة تقديراً وشكراً له، ولمن يصنع الفرق.