إبراهيم عبدالله العمار
الحياء من شِيَم المؤمنين، وهو فضيلة بل نعمة من الله، ومنذ عهد آدم مروراً بكل الأنبياء إلى سيد البشر عليه الصلاة والسلام ظلَّ الحياء جزءً من طباع وشرائع الأنبياء، لكن ليس هذا الحياء الذي أقصده في العنوان. لا أقصد الحياء الطيب المحمود الذي حثّ عليه رسولنا، وإنما أقصد نوعاً سيئاً من الحياء.. نوع يوجد لدى الناس بدرجاتٍ مختلفة، وما أحسن أن ننفيه تماماً من أفعالنا وتفكيرنا.
لا تستحِ أن تأخذ فائض الطعام. البعض يتحرّج أن يأخذ الطعام الزائد، فيفكر: «ماذا سيقول الناس عني؟ ما رأي العاملين في المطعم إذا رأوني آخذ معي بقايا الأكل؟ سيقولون أني بخيل! أو من طبقة سافلة من الناس!»، وأما إذا كان المكان فخماً فتزداد هذه الأفكار، ويظن الشخص أن أخذه لفائض الطعام أمُّ الفضائح.
هنا في هذا الموضع، لا تستحِ. إذا انتهيتم من أكلكم وبقي أكلٌ كثير لم يؤكل فخُذ الزائد، فقد أسخطتَ الشيطان المحب للتبذير وضياع النعمة وحرمان الخليقة منها، وتَصدَّق بباقي الطعام على محتاج، أو على حيوان، فكم من قِطٍّ سيكون بإذن الله شفيعاً لك إلى الجنة إذا ملأت جوفه بِقُوتِ يومه من اللحم.. ذاك البُطين المسكين الذي لا يعرف إلا الجوع والألم. وكم من حمامة ستؤجر بها إذا نثرت لها بعض الرز، أو حفظت بقايا الخبز من أن تُهدر في النفاية وقدمتها لبعض الرعاة ليعطوها أغنامهم ومواشيهم. إذا كانت هذه نواياك.. فقل للنادل أن يجهز لك الفائض، واحمله معك برأسٍ مرفوع وضميرٍ فخور.
لا تستحِ إذا كلمك شخص وسألك عن شئٍ لا تعرفه أن تقول: لا أدري. لا يحتاج أن نتصنَّع العلم بكل شيء وأن نهاب أن يَظهر أننا جاهلون ببعض الأشياء، وهل هناك من يعرف كل شيء عن كل شيء؟ من يعرفني سيلاحظ أني لا أتردد أن أقول «لا أدري» إذا سُئلتُ عما لا أعرف، فإذا حودثتُ عن شخصٍ يفترضون أني أعرفه أو موضوع يظنون أني أتقنه ففوراً جوابي: «لا أعرف»، وأرحِّب أن يقوم الشخص بالشرح.
لا تستحِ إذا نسيتَ اسم شخصٍ ما أن تسأله عنه، وهذه من المواقف المحرجة في الحقيقة، فقد تُحادِثُ شخصاً لأول مرة ويعطيك اسمه فتنساه فإذا صادفتَ فيما بعد (أو حتى في نفس الحوار) فوجئت أنك نسيت اسمه، فتتفادى أن تنطقه، لكن رغم هذا فما وجدتُ أنجى من الصدق، وإذا نسيتُ اسم الشخص فرغم بعض الحرج إلا أن أبسط طريقة وأسرعها بل أقلها إحراجاً هي أن.. لا أستحي! إنني لا أستحي أن أعتذر للشخص أني نسيت اسمه وأطلب منه تذكيري، ومَن منا لا ينسى؟ بل هذا الشخص نفسه أضمن أنه مر به نفس الموقف أكثر من مرة.
نعم أيها القارئ الكريم، لا تخجل من الحق، ولا من الصدق.
في مثل المواقف التي بالأعلى، الحياء ليس في موضعه، فلا تستحِ.