فوزية الجار الله
منذ أيام وأنا أستمتع بالنوم باكراً..
كانت تجربة لذيذة مبهجة، أصحو يومياً على أذان الفجر بدون منبّه، أصحو وأنا في قمة نشاطي، هذه الليلة بدت مختلفة قليلاً فقد أخذت غفوة بعد الظهيرة، واستمتعت برياضة المشي لأكثر من ساعة قبيل الغروب، وقد قرّرت الجلوس إلى الإنترنت قليلاً قبل النوم، الأمر اللافت أن صفحات «التويتر والفيس بوك» قد ضجت بالحديث عن الصحفي الأمريكي الذي قتلته داعش، وجدت لقطة فيديو، أخذت أتابعها بكل حذر ووجل خشية أن أرى ما لا يحتمله القلب والذي يتمثّل في رؤية المشهد المرعب الأخير الذي يتم فيه نحره فعلياً، كما يقول النص المرافق للصورة، شعرت بحزن شديد وأنا أتابع رسالة الصحفي الشفهية التي يوجهها لعائلته، خاصة حين قال (كان بودي لو رأيت عائلتي لكن لم يعد هناك وقت، اليوم هو موعد موتي..!)، التقطت الكلمات على عجل وسارعت بإغلاقه خشية رؤية المشهد المفجع، أخذت أقلّب الصفحات الإلكترونية، أقرأ بعض المعلومات المتناثرة هنا وهناك، وهنا أضاءت فكرة خاطفة ما بيني وبيني، حدثت نفسي قائلة: يا امرأة لا تريدين رؤية المشهد في الليل لأنك تصبحين فيه أكثر رهافة وقابلية للوجع، تؤجلين الموضوع للغد، وماذا لو حذف المشهد من «اليوتيوب»؟!
إذن عودي إليه، وأكملي المقطع، كوني قوية شجاعة، اضبطي أعصابك، حين عدت، شعرت برجفة في ساقيّ وأصابعي، اشتد خفقان قلبي، وبحركة عاجلة أغلقته وأنا أحاول قدر الإمكان أخذ نفس عميق، كنت في حال من الوجل والتوتر يصعب وصفها، وكأنما انتابتني سِنَةٌ من نوم، لم يوقظني منها سوى صوت لحن تصاعد من تحت النافذة المفتوحة، أصغيت فإذا لحن سامري جميل وصوت يردد:
(يابو فهد ياعزوتي سافر الشوق
يابو فهد عقبه جروحي عطيبة)
لم أعلم حقيقة عندها هل أبكي أم أضحك لهذه الدراما العجيبة التي تحتل أيامنا؟!
* * *
** المقطع أعلاه هو نص قصصي قصير كتبته ذات ليلة وقد ألقى الضجيج والغموض بظلاله على سطوره.. أجّلت نشره كثيراً لأسباب عديدة ففي اليوم التالي وما بعده سمعت وقرأت الكثير من التحليلات والفيديوهات المسجلة حول هذه الواقعة خلفيتها، حقيقتها، وبالتالي حول حقيقة «داعش» بعضهم يقول هم جماعة إسلامية متطرفة، بينما تشهد كل المظاهر والأحداث بأن الإسلام بريء من أفعالهم ومعتقداتهم، البعض الآخر يقول الفيديو يبدو أشبه بمنجز سينمائي تمثيلي، فئة أخرى تقول بأن داعش صناعة أمريكية صهيونية.. وأصوات أخرى تقول داعش بيننا، في دواخلنا؟! ماذا تصدق وبأي الأقوال تأخذ، نعم إنه اليوم التالي الذي تتكشف فيه الحقائق، بل هو السيل الجارف للأقوال المتناقضة التي تبدأ ولا تنتهي.. وما زلنا بانتظار اليوم التالي الأكثر نقاء ووضوحاً.