د. فوزية البكر
لا أعرف لماذا تبدو المفاهيم البيئية لنا كسعوديين بعيدة ورسمية أكثر من كونها ممارسة يومية نتبناها كسلوك. فمثلا تصر وزارة التربية والتعليم قبل أن تضم إلى وزارة التعليم العالى لتكون الوزارتان باسم وزارة التعليم (وهي محقة بالمناسبة) على أن مناهجها تتضمن الكثير من المفاهيم البيئية التي تكفي لتربية أجيال غير،
إن الممارسات اليومية لطلابها ولطاقمها التعليمي والإداري لا علاقة لها بما يتم ترديده من (أدبيات بيئية)! وذلك في الغالب الأعم عدا بعض الحالات الواعية في بعض المدارس من معلمين أو إداريين وهي نادرة!
التعليم بلا شك أداة أساسية لنشر الوعي البيئي ولكن ليس عن طريق مقررات دراسية مملة يقدمها المعلم بالشكل الإلقائي التقليدي الذي هي عليه اليوم والتي لن تصل معلومة واحدة عبرها إلى ذهن الطلاب.
الطالب بحاجة إلى أن يرى ويلمس بشكل مباشر ما نتحدث عنه فنحضر له من يقدم له تجارب عملية ومن يعرض عليه أفلاماً ومن يكون لديه القدرة على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والألعاب الإلكترونية (وهي اللغة الأكثر انتشاراً) بين طلاب هذا العصر على اختلاف أعمارهم لنقل الرسالة التوعوية حول البيئة كما أن اشراك طلاب المدارس وبتعاون مع مؤسسات حماية البيئة في مشاريع حقيقية (وليست صورية ولنشر الأخبار في الصحف) ستكفل التنمية التدريجية لوعي الطلاب بالمخاطر البيئة المحدقة.
يكفي أن نقول لهذا الطالب إن علبة الماء البلاستيكية التي لا يتورع أي منا في استخدام عشرات منها كل يوم وإلقائها حتى دون التفكير فيها وهذا بالتأكيد يحصل عند خروجنا للمنتزهات والبر أن مع العلم أن كل علبة بلاستيكية نلقيها دون اكتراث ستحتاج أكثر من خمسين سنة لتتحلل في التربة أما العلبة الزجاجية فستحتاج ضعف هذا الزمن حتى يتم تحللها!
وفي حين يقوم الناس في كل مكان في العالم (ولا نقصر في السفر إليه وزيارته مراراً وتكرراً) بجمع مخلفاتهم وفرزها بمعني عزل الورقية عن البلاستكية عن المعادن في حاويات خاصة بها ذات ألوان مختلفة حتى تلتصق بذاكرة الناس لكننا لا نجد لهذا المفهوم أثراً في بيئاتنا المحلية. وحين نسافر كسعوديين نشارك دون نقاش في السلوك المتوقع بأن الناس هي المسؤولة عن تنظيف المكان الذي توجد فيه فمحلات الأطعمة السريعة مثلاً لا تحتاج إلى عمال يحملون أكوام الفضلات من الطاولات بل تكون مسؤولية كل أسرة أن تفعل ذلك ولهذا نفعله برحابة صدر والأمر نفسه في الطائرات، حيث يقوم المضيفون بجمع كافة المخلفات من الركاب ونساعدهم في ذلك فلا يحتاج عمال النظافة والصيانة لاحقاً إلى وقت كبير في التنظيف مما يساعد على استثمار هذا الوقت في رحلات إضافية وهكذا، لكن ما الذي يحصل لنا من انقلاب (مفاهيمي) منذ أن تطأ قدمنا بيئتنا المحلية التي تدفعنا دفعاً ألا نعتني بها؟ لكن لماذا يفكر أي منا في رفع مخلفاته من طاولة مطعم للأغذية السريعة ما دامت العمالة الرخيصة متوفرة ولماذا لا نفكر في حجم مخلفات مطابخنا أو ملاحقنا إذا كان عمال البلدية البائسون سيأتون ليلاً لتنظيف شوارعنا وحمل فضلاتنا؟ وهكذا ينسحب السلوك على كل مكان عام ليصبح ظاهرة جمعية تتميز بالشراهة في الاستهلاك وعدم العناية بالنتائج البيئية الوخيمة المترتبة على هذا السلوك.
البيئة ليست مفهوماً علمياً أو صحفياً كما قد تبدو لنا.. إنها حياة حقيقية، فسلامة كوكبنا وبقاء دخلنا من البترول سيعتمد بشكل كبير على تعديل سلوكيات الاستهلاك المجحف للطاقة الذي تحتل السعودية فيه الأرقام الأولى. توضح الدراسات أن استهلاك الإنسان السعودي للمواد يعد الأعلى في العالم فمعدل النمو السنوي لاستهلاك الطاقة محلياً هو 5 % بينما المعدل العالمي لا يتجاوز 4 % ويعد هذا النمو هو الأعلى في العالم حيث يحتل استهلاك الطاقة الكهربائية وتحلية المياه نصيب الأسد. لكن المشكلة أن الاستهلاك المفرط للبترول الخام المحلي ومشتقاته البترولية سيقلل مع الزيادة السكانية وزيادة الطلب بالضرورة من كمية البترول المتاحة للتصدير وإذا استمر الإنسان السعودي على معدله الحالي فسيقوم باستهلاك كامل نفطه محلياً لتلبية احتياجاته خلال سنوات قليلة قادمة وعندها لن يتمكن من تصدير نفطه إلى الخارج ولا الحصول على عوائد ومن ثم لا ميزانية ولا مشاريع ولا رواتب (اللهم استر) لكن كيف يتم هذ الاستهلاك ولماذا هو مرتفع بهذا الشكل الجنوني ولماذا لا تصل الرسالة للحد من استهلاك موارد البيئة إلى أذن المتلقي رغم تكرار عرضها في وسائل الإعلام؟
ليس ذلك فحسب، بل إن هناك جهوداً حكومية ومدنية لحماية البيئة يتبناها عدد لا بأس به من الجهات مثل الهيئة السعودية للحياة الفطرية وكذلك الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة، كما تسهم بعض الجهود المجتمعية في عمليات التوعية والحماية مثل جمعية البيئة السعودية ومؤسسة الوليد بن طلال الخيرية التي أسهمت في تأسيس جمعية (نبتة) في كثير من المدارس الابتدائية في مدينة جدة مع محاولة نشر مفاهيم الترشيد والتدوير للمخلفات البيئة في هذه المدارس.
إذن أين تقع المشكلة ولماذا لا تصل الرسالة بوضوح إلى ذهن الطالب والمواطن ومن ثم لا تتحول إلى سلوك جمعي كما نرى في باقي أمم العالم.
ربما نحتاج إلى تبني استراتيجيات على مستوى وطني شامل ونتبنى برامج حماية حقيقية للبيئة على غرار ما فعلته كثير من الدول بدل أن نختنق في بيئة ملوثة بشعة ومن يعبر الآن مضطرا شوارع الرياض الدامية بسبب (مشاريع الجملة)!! فسيعرف أننا مقبلون على أن نشبه تلك المدن المكتظة بالسيارات والوقود مثل كثير من الدول الفقيرة كبنغلاديش والهند والمكسيك بل ويمكنك في الحقيقية رؤية أعمدة التلوث تلف الرياض منذ أن تقبل عليها من طريق الدمام أو من المطار وإذا لم نبادر وحتى على المستوى الفردي بمحاولة تنظيف بيئتنا وحمايتها فلا أعلم أين نحن ذاهبون في مشوار التلوث والتدمير البيئي؟