د.محمد الشويعر
الحمد لله نحمده ونستعين به ونستهديه, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له, ونصلي ونسلم على الهادي البشير, والسراج المنير محمد بن عبدالله, وعلى آله وصحابته الأخيار, ما تعاقب الليل والنهار, ومن سار على دربهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن خباب بْن الأرت بْن جندلة بْن سعد التميمي أَبُو يحيى أو أبو عبد الله, وقيل أبو محمد صحابي من السابقين إلى الإسلام, وممن عذب في الله تعالى, كان سادس ستة في الإسلام, قال مجاهد: أول من أظهر إسلامه رسول الله صلى الله عليه وسلم, وأبو بكر وخبّاب, وصهيب وبلال, وعمر وسمية أم عمار, فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعه الله بعمه أبي طالب, وأما أبو بكر فمنعه قومه, وأما الآخرون فألبسوا أدرع الحديد, ثم صهروهم في الشمس, فبلغ بهم الجهد, ما شاء الله أن يبلغ من حر الحديد والشمس, قال الشعبي: أما خباب فصبر, ولم يعط الكفار ما طلبوه, فجعلوا يلزقون ظهره بالرضف وهي الحجارة المحماة على النار - حتى ذهب لحم متنه -أي ظهره- هو عربي لحقه سباء في الجاهلية, فبيع بمكة, وقيل هو حليف بني زهرة, قال ابن منده، وَأَبُو نعيم: قيل: هو مولى عتبة بْن غزوان، وقيل: مولى أم أنمار بنت سباع الخزاعية، وهي من حلفاء بني زهرة، فهو تميمي النسب، خزاعي الولاء، زهري الحلف، لأن مولاته أم أنمار كانت من حلفاء عوف بن عبد عوف بْن عبد الحارث بْن زهرة، والد عبد الرحمن بْن عوف. (أسد الغابة 2: 114).
قال ابن إسحاق: أسلم خباب بن الأرت بعد تسعة عشر إنسانا, وأنه كمل العشرين.
وقال أبو ليلى الكندي: قال عمر لخباب: أدنه... فما أحد أحق بهذا المجلس منك إلا عمار, قال: فجعل يريه بظهره شيئاً, يعني من آثار التعذيب من قريش.
وحكى مسروق عنه قال: كنت قيناً بمكة -أي حدادا- فعملت للعاص بن وائل سيفاً, فجئت أتقاضاه. فقال: لا أعطيك حتى تكفر بمحمد, فقلت: لا أكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم. حتى تموت ثم تبعث, فقال: إذا بعثت كان لي مال, فسوف أقضيك. فقلت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله: {أفرأيت الذي كفر بآياتنا} الآية [مريم: 78]. (سير أعلام النبلاء 2: 324).
استضعفه المشركون بمكة فعذبوه كثيرا ليرجع عن دينه فصبر, إلى أن أذن الله لرسوله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالهجرة للمدينة فهاجر مع المهاجرين, وقد نزل على كلثوم بن هدم العمري في المدينة مع جماعة من الصحابة, منهم أبو عبيدة بن الجراح, والمقدام بن عمر, وسهيل وصفوان ابنا بيضاء وكان كلثوم رجلاً شريفاً, وشيخا كبيرا, وقد أسلم قبل مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، ولم يلبث بعد قدومه إلا يسيراً حتى توفي. (طبقات بن سعد 3: 623).
وقد آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة بين خباب وجبير بن عتيك (ابن سعد 3: 469).
وقد روي عن خباب أنه قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, وهو متوسد ببرد له في ظل الكعبة. فقلنا: يا رسول الله ألا تستنصر لنا؟ فجلس محمراً وجهه, فقال: قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض, ثم يجاء بالمنشار, فيجعل فوق رأسه, ما يصرفه عن دينه, ويمشط بأمشاط الحديد, مادون لحمه من عظم وعصب, ما يصرفه عن دينه, وليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت, لا يخشى إلا الله عز وجل والذئب على غنمه، ولكنكم قوم تعجلون.
قال الشعبي: سأل عمر بْن الخطاب خبابًا رضي اللَّه عنهما، عما لقي من المشركين فقال: يا أمير المؤمنين، انظر إِلَى ظهري, فنظر، فقال: ما رأيت كاليوم ظهر رجل، قال خباب: لقد أوقدت نار وسحبت عليها فما أطفأها إلا ودك ظهري.
لكن الله جل وعلا انتقم له عاجلاً, قال أبو صالح: كان خباب قيناً يطبع السيوف, وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يألفه ويأتيه, فأخبرت مولاته بذلك, فكانت تأخذ الحديدة المحماة فتضعها على رأسه. (أسد الغابة 2: 115).
قال عنه الذهبي: من نجباء السابقين, له عدة أحاديث, شهد بدرا، والمشاهد, حدث عنه: مسروق، وأبو وائل، وأبو معمر، وقيس بن أبي حازم، وعلقمة بن قيس، وعدة. قيل: مات في خلافة عمر، وصلى عليه عمر, وليس هذا بشيء، بل مات بالكوفة، سنة سبع وثلاثين، وصلى عليه علي. وقيل: عاش ثلاثا وسبعين سنة. (سير أعلام النبلاء 2: 323).
أما الزركلي في الأعلام فقال: روى له البخاري ومسلم 32 اثنين وثلاثين حديثا. (الأعلام 2: 344) ومن الأحاديث التي روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة فأطالها، فقالوا: يا رسول الله، صليت صلاة لم تكن تصليها؟ قال: «أجل، إنها صلاة رغبة ورهبة، إني سألت الله عز وجل فيها ثلاثا، فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة، سألته أن لا يهلك أمتي بسنة، فأعطيتها، سألته أن لا يسلط عليهم عدوا من غيرهم، فأعطانيها، وسألته أن لا يذيق بعضهم بأس بعض، فمنعنيها. (أسد الغابة 2: 115).
وقد عده الكناني من فقهاء الصحابة رضي الله عنهم, وأورد له مسائل عديدة فيها فقهه, كما كانت له وجهة نظر في الأحاديث التي رواها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, موضع عناية الفقهاء واحتجاجهم في ترجيح بعض المسائل.
رضي الله عن خباب فقد روي أن علياً رضي الله عنه مر بقبره فقال: رحم الله خباباً, أسلم راغباً وهاجر طائعاً, وعاش مجاهداً, وابتلي في جسمه, ولن يضيع الله أجر من أحسن عملا.