جاسر عبد العزيز الجاسر
ما يجري من معارك في العراق لمواجهة قوات تنظيم فاحش «داعش» الذي تُشارك فيه قوات تضم خليطاً من الجنسيات، فبالنسبة لقوات فاحش فالمعروف أنها تعتمد على قوات من العراقيين، أغلبهم من عناصر الجيش العراقي السابق الذي سرَّحه الأمريكيون، ولم يجدوا عملاً يتناسب مع خبراتهم إلا الانضمام إلى هذا التنظيم الذي يدفع رواتب تصل 600 دولار للفرد الواحد، أما أصحاب الرتب الكبيرة فرواتبهم تفوق ما يحصل عليه نظراؤهم في الجيش الرسمي، إضافة إلى هؤلاء هناك عدد كبير من المقاتلين الأجانب، وبالذات من دول آسيا الوسطى من القوقاز والشيشان والتتار، ويبقى عددٌ من المهووسين العرب الذي انخدعوا بما يروَّج من قِبل المتطرفين، ومعظمهم من أبناء الخليج والسعودية وشمال إفريقيا.
يُقابل هذا الخليط تجميع عسكري قوامه الأساس قوات الجيش العراقي الذي لا يزال في مرحلة الإعداد والذي يفتقد إلى قيادة احترافية بسبب ضم عناصر الميليشيات الطائفية لقيادات الجيش والذين مُنحوا رتباً عسكرية عليا وصلت إلى رتبة الفريق، رغم تدني كفاءاتهم وقلة خبراتهم وتفشي الفساد الإداري والمهني الذي كشفته كشوف «الفضائيين»، وهي كشوف لعناصر من الجيش يتسلمون رواتب دون أن ينضموا للقوات العسكرية، وامتد الفساد إلى صفقات السلاح واتفاقيات التدريب، ومع أن ما صُرف على إعداد الجيش وتسليحه وتدريبه يُعد الأعلى في الشرق الأوسط، إلا أن الجيش سقط في أول مواجهة مع «فاحش» واستطاعت ميليشات مكونة من عناصر مختلفة هزيمته ودحره في أربع محافظات هي: الأنبار ونينوى وصلاح الدين وديالى، وكادت العاصمة بغداد أن تسقط لولا تدخُّل طيران الحلفاء ومشاركة قوات إيرانية قاتلت تحت غطاء الحشد الشعبي.
الإيرانيون الذين يعملون على أن تكون لهم الكلمة واليد الطولى في العراق، استفادوا من انهيار الجيش العراقي، وهم روج من قِبل عملائهم من الأحزاب الطائفية على فشل وعدم قدرة الجيش العراقي على موجهة فاحش، مبرزين «انتصارات» الحشد الشعبي الذي هو في الحقيقة تشكيلات عسكرية تضم خليطاً من الميليشيات الشيعية وقيادات عسكرية محترفة من الحرس الثوري الإيراني يقودها الجنرال قاسم سليماني ويساعده هادي العامري الذي هو الآخر جنرال في الحرس الثوري.. ويُلاحظ أن الإيرانيين لم يرغبوا في إخفاء تدخلهم ومشاركتهم بل وقيادتهم للمعارك في العراق، فقد وصلوا إلى اتفاق مع حكومة حيدر العبادي وتفاهُمٍ مع الأمريكيين إلى تقاسم المهام والأعمال، ومثلما قسَّم الإنجليز والفرنسيون مهامهم والمناطق العربية بعد الحرب العالمية الثانية والتي نتج عنها اتفاقية «سايس - بيكو» فإن الأحزاب الشيعية في العراق والنظام الإيراني والأمريكيين وصلوا إلى تفاهُم وزعت بموجبه حصص العمل والتدخل، وأصبح الإيرانيون يقودون المعارك في محافظتي صلاح الدين وديالى، وستقوم القوات الإيرانية عبر غطاء الحشد الشعبي بالاستيلاء على محافظة صلاح الدين التي تضم سامراء التي يعمل الإيرانيون والأحزاب الشيعية على تحويلها إلى مدينة شيعية خالصة، وتهجير القبائل العربية السنية والاستيلاء على مدن محافظة ديالى، كمدن بعقوبة والعظيم وخانقين وجلولاء مع مواصلة التهجير لـ»تطهير» حزام بغداد كمدن المحمودية وسلمان باك والإسكندرية وقرى بابل مما يجعل كل ما يحيط ببغداد وكربلاء والنجف مناطق شيعية صرفة، وبهذا تكون إيران قد حصلت على المنطقة التي تهمها والتي ستُحكم السيطرة عليها بواسطة الأحزاب الشيعية التي تقودها شخصيات عراقية من أصول إيرانية.
وتظل محافظات الأنبار والموصل وكركوك، والتي ظهر أن الحشد الشعبي وحتى الجيش العراقي لن يكون لهم دور في تخليصها من فاحش، إذ ستتكفل العشائر العربية العراقية السنية بمساعدة القوات الأمريكية بتحرير الأنبار والمناطق العربية في نينوى، في حين ستقوم قوات البيشمركة بتخليص الأجزاء الكردية من نينوى وكركوك وتوسيع إقليم كردستان ليتم رسم جديد لخارطة العراق، خارطة تُرسم حدودها بالدم مثلما قال مسعود البرزاني قبل أسابيع.