د. عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
لم يعد الاقتصاد بمعزل عن التعليم بعدما أصبح الاقتصاد يقوم على الابتكار والتعليم والتكنولوجيا الحديثة والقوى البشرية الفاعلة والانتقال من مرحلة العمل الفردي إلى مرحلة العمل الجماعي.
لا يمكن رسم ملامح المستقبل التي تقود إلى تنويع مصادر الدخل من دون الاقتصاد الجديد الذي يعتمد على الاقتصاد المعرفي للمضي قدماً نحو التنمية الشاملة
والمستدامة من خلال إنجاز مشروعات عملاقة وشاملة. من التحديات التي تواجه الاقتصاد السعودي رفع مستوى الكفاءة والإنتاجية وتخصيص عدد من المرافق العامة للحد من التوسع لتك المرافق لصالح المشروعات التنموية والإنتاجية من أجل رفع كفاءة الإنتاج وتعزيز القدرة التنافسية من خلال تحرير الأسواق، وتقديم إنتاج تلك الخدمات على أسس اقتصادية بعيداً عن الدعم الحكومي.
يجب أن يستثمر الاقتصاد السعودي عدد من المؤشرات الاقتصادية التي تحققت في السعودية في تقرير التنمية البشرية الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لعام 2014، إذ حققت السعودية تحسناً ملحوظاً يعود إلى التحسن في جميع عناصر مكونات دليل التنمية البشرية، واحتلت السعودية الترتيب الـ 34 بعد أن كانت تحتل المرتبة الـ 57 بعد تقديم الاقتصاد السعودي في أربعة أعوام وظائف أكثر مما قدم على مدى أربعين عاماً.
على الصعيد النقدي تضاعفت السيولة المحلية بنحو ثلاثة أضعاف ونصف في المصارف المحلية كما تضاعفت مطلوبات القطاع المصرفي من القطاع الخاص بنحو أربعة أضعاف. أصدرت مؤسسة النقد قواعد التمويل متناهي الصغر التي تسهم في خلق وظائف وتمويل للشركات الصغيرة والمتوسطة الحرفيين، لأن نمو ناتج القطاع الخاص بشكل مستمر وملحوظ منذ أكثر من ربع قرن، فإن هذا الناتج يعتمد على معطيات القطاع العام ويتركز معظمه في قطاع الخدمات، لذلك لابد من التركيز على القطاعات الإنتاجية مثل قطاع الصناعة الذي لا تزال نسبة القطاع الصناعي في السعودية عند حدود 10 في المائة بينما كانت الخطط تطمح إلى أن يصبح 20 في المائة من الناتج المحلي ولكنه لم يتحقق أي لا يزال يطلق على الاقتصاد السعودي اقتصاد ريعي.
نصف سكان السعودية فوق سن 15 سنة، بينما العاملون أقل من 30 سنة يمثلون فقط 2 في المائة، حتى أصبح عدد العاطلين عن العمل حتى نهاية عام 2014 نحو 651 ألف عاطل عن العمل 50 في المائة منهم من حملة البكالوريوس في ظل تواجد 11.5 مليون عامل وافد بطريقة شرعية، بينما الأعداد غير الشريعة قد يكون عددها كبير ولكن الإحصاءات الرسمية لم تذكر عددهم التقريبي، وتدل الإحصاءات على أن قوة العمل الخليجية كانت تمثل عام 1975 نحو 61 في المائة من إجمالي قوة العمل، بينما في عام 2011 تمثل نسبة 33 في المائة من إجمالي قوة العمل، ما تتطلب المرحلة المقبلة إلى توسيع القاعدة الإنتاجية حتى تتمكن من توطين العمالة الوطنية الحالية والجديدة التي ستنضم إلى سوق العمل.
يجب أن تكون الشركات الناشئة شركات غير عادية، تضع قدما في عالم البحوث البحتة، وأخرى في السعي لتطوير التطبيقات التجارية لعملها، وهناك شفرة صينية للنجاح الاقتصادي عندما بدأت شركاتها بتجميع التكنولوجيا حتى ولدت الشركات الناشئة أصحاب مشروعات أثرياء اتجهوا بعد ذلك في صناعة رأس المال المغامر.
حافظت الصين على التوسع من خلال رعاية الشركات الكبرى المملوكة للدولة للشركات الناشئة، وكان من أولوياتها السماح لأصحاب رؤوس الأموال بإدراج شركاتهم الناشئة في بورصة تضم الشركات الأصغر والشابة تقابل بورصة شنغهاي حتى توجد حلقة حميدة تحافظ على التوسع وحتى لا تتعرض للمضاربة والانهيار تزامن هذا الحفاظ على التوسع في توسيع تلك الشركات على إنشاء بعضا من أفضل الجامعات تزود تلك الشركات بالبحوث والابتكارات التي تعزز من قدرتها التنافسية.
هدف الصين الإمساك بالتكنولوجيات الناشئة الأكثر أهمية، خصوصاً ما ينطوي عليه من آثار عسكرية وأمنية، مشيرة إلى أن احتياطيات العملات الأجنبية الضخمة في الصين، من شأنها أن تساعد في إطلاق فورة التسوق للاستحواذ على الشركات الأمريكية.
مستقبل الدول هي ما بين الابتكار والاندثار، فلا يمكن أن يترك السوق السعودي عرضة للتقلبات بعيداً عن إستراتيجيات مدروسة وواضحة وقابلة للتنفيذ، مثل ترك السوق للمضاربات في سوق الأسهم الذي يهدد الاقتصاد الإنتاجي، وبدلاً من اعتباره رافداً وسداً منيعاً لتقوية وتوسعة تلك الشركات بينما المضاربات تجعلها عرضة للانهيارات مثل أسعار العقار التي تضاعفت أكثر من ثلاث مرات منذ عام 2006 وحتى منتصف عام 2014، ومع انخفاض أسعار البترول تراجع هامش الربح العام لقطاع البتروكيماويات، صراع الأجهزة البيروقراطية يفاقم من تعقيدات مكافحة الفساد والاحتكار والمضاربة التي تقضي على مستقبل توسع وتنافسية الاقتصاد السعودي.
الحكومة الجديدة في السعودية تنحاز للشباب والديناميكية في العمل، وتوقعات بأن ت ساهم في تعزيز قوة العوامل الاقتصادية، والتقليل من البيروقراطية، ومدينة العلوم والتقنية تستهدف إطلاق 40 حاضنة لمشروعات الشباب خلال 5 سنوات، وهناك إستراتيجية طموحة لتحقيق التنمية المستديمة في المجالات المعرفية والاقتصادية والحضارية التي تنطلق من مشروع الملك عبدالله لتنمية التعليم بتكلفة تزيد عن 21 مليار دولار، وهناك 3200 مدرسة حديثة لاستيعاب 1.5 مليون طالب وطالبة يدرسون في مبان غير مناسبة، إلى جانب تدشين برنامج التدريب النوعي للمعلمين والوقف، وسينحو التعليم نحو المزيد من الاستثمار في التعليم وفي العقول الذي يصب في تنويع مصادر الدخل وتحريره من الاقتصاد الريعي الذي يعتمد فقط على المال السهل المعتمدة على مداخيل النفط.