د. محمد بن عويض الفايدي
البوصلة السعودية تتحرك على مختلف الأصعدة داخلياً وإقليمياً ودولياً بوعي شمولي لحساسية المرحلة وبمقدار التحديات في رؤية متوازنة للتنمية الشاملة التي تُلبي تطلعات المواطن، وبمشاورات إقليمية جادة على أعلى المستويات لتوحيد المواقف،
ومن خلال مساعٍ حثيثة مع الدول المؤثرة في السياسة الدولية وذات البعد الإستراتيجي لصياغة التصورات والرؤى التي تؤكد الريادة السعودية لإعادة ترتيب التوجهات بما يعكس متانة الموقف السعودي في صياغة القرار السياسي والاقتصادي العالمي.
الرؤية السعودية واضحة حول الاحتمالات والبدائل، والمقوم الاقتصادي ترتكز عليه مقومات الاستقرار الأخرى. ويُشكّل وضوح الرؤى الوطنية مرتكز الانطلاقة نحو التخطيط السلوكي للهدف المنشود، ويظل مصدر الطاقة الأول «النفط والغاز» محل حماية وتطوير.. وتتجه البوصلة السعودية بالمؤشر لتنويع مصادر الدخل باتجاه رؤية محددة لاختيار البديل الرشيد لإحلال ميزة تنافسية اقتصادية مساندة بالتدريج تتشكَّل في المدن الاقتصادية باستباقية للزمن الحرج الذي تُحدد مساره السيادة الوطنية، لتدخل منتجاتها من السلع ذات الجودة التنافسية أسواق العالم لتثبت ريادتها وتأثيرها في الاقتصاد العالمي بميزة تنافسية أخرى غير النفط قبل الوقوع تحت أي ضغط داخلي أو خارجي.
وعد الشمال درة وطن تستحق الحماية واستشهاد قائد منطقة حرس الحدود بمنطقة الحدود الشمالية وثلاثة من زملائه - رحمهم الله - وجبر أهلهم وذويهم في سبيل حماية حدود الوطن وحفظ منجزات وعد الشمال هي تاج للوطن جسّده انطلاق التمرين التعبوي الأول المشترك للقطاعات الأمنية (وطن 85) بمنطقة الحدود الشمالية بتوجيه وإشراف ومتابعة من ولي ولي العهد وزير الداخلية صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز بهدف تعزيز ورفع درجة التنسيق والتعاون بين جميع القطاعات الأمنية بوزارة الداخلية لمواجهة الأزمات والمواقف الطارئة، وتفعيل إجراءات القيادة والسيطرة والاتصالات لإدارة الأزمات على مستوى القطاعات الأمنية، وإبراز القدرات الاحترافية والجاهزية للقطاعات الأمنية في مواجهة ومعالجة المواقف والأحداث الأمنية بمشاركة سبع قوات من قوى الأمن الداخلي، وأن عدد المشاركين يتجاوز 1500 رجل أمن، وينفذ التمرين بعرعر على عدة مراحل لمدة 21 يوماً لرفع كفاءة تأمين الحدود والمرافق الاقتصادية والحيوية وبناء قدرات أكثر احترافية لترسيخ استقرار الوطن وأمان المواطن والمقيم.
صدرت الموافقة السامية الكريمة بتاريخ 28 ربيع الأول 1433هـ الموافق 20 فبراير 2012م بإنشاء مدينة صناعية في منطقة الحدود الشمالية، تشمل البنية التحتية اللازمة للصناعة والمرافق الاجتماعية لتكون جاذبة للاستثمارات الصناعية الأساسية والتحويلية الأخرى.. وفي إطار الشراكة بين شركة معادن وشركة سابك وموزاييك العالمية يجري العمل في واحداً من أكبر المجمعات الصناعية المتكاملة للفوسفات في العالم بوعد الشمال، حيث سيضاعف الإنتاج الحالي لشركة «معادن» من الأسمدة الفوسفاتية والمركبة وسيضيف منتجات تحويلية جديدة هامة إلى القدرات الإنتاجية للشركة.
يشتمل المشروع على مصانع جديدة للتعدين والمعالجة والتصنيع في مدينة وعد الشمال بمنطقة الحدود الشمالية، ومصانع مكملة إضافية في مدينة رأس الخير للصناعات التعدينية بالمنطقة الشرقية.. وجرى ربط الموقّعين بسكة حديد الشمال - الجنوب.. ومن المتوقع أن يبدأ الإنتاج في المجمع الجديد في أواخر عام 2016 م بطاقة إنتاجية إجمالية تبلغ نحو (16 مليون) طن سنوياً والتي تمثّل المنتجات النهائية منها (3 ملايين) طن تقريباً من الأسمدة الفوسفاتية والمركبة.. و(440 ألف) طن من المنتجات التحويلية تشمل حامض الفوسفوريك النقي (PPA) المستخدم في الصناعات الغذائية، وثلاثي بولي فوسفات الصوديوم (STPP) المستخدم في تصنيع المنظفات، ومنتجي فوسفات أحادي وثنائي الكالسيوم (DCP/MCP) المستخدمين في تصنيع أعلاف الحيوانات.
تسهم وعد الشمال مساهمة حيوية في تطوير صناعة المعادن والصناعات التحويلية ذات القيمة الاقتصادية للملكة.
إضافة إلى تطوير موارد الغاز وموارد الفوسفات في منطقة الحدود الشمالية والشرقية، وكذلك استغلال المعادن والموارد الهيدروكربونية كمحفز لتطوير صناعات متقدمة تحقق أهداف التنوع الاقتصادي للمملكة.
ستسهم وعد الشمال في تطوير الصناعة السعودية وفي تنمية منطقة الحدود الشمالية، لأنه يشتمل على أول مشروع صناعي كبير ينفذ في تلك المنطقة، وأن الشراكة مع «سابك» و»موزاييك» التي تزيد خبرتها عن قرن من الزمن ستضيف قيمة كبيرة للمشروع من حيث الخبرة الفنية والتشغيلية، والتميز في التشغيل، والاستدامة، وبالتالي المساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية بالمملكة عامة ومنطقة الحدود الشمالية خاصة.. وسيتم توفير فرص العمل المباشرة التي تقدر بنحو (1500) وظيفة.. إضافة إلى الإسهام الفعّال في برامج المسؤولية الاجتماعية التي ستعزز التنمية المستدامة في تلك المنطقة، وكذلك إقامة مركز محلي للأبحاث والتطوير في مشروع الملك عبد الله بن عبد العزيز - رحمه الله - لتطوير مدينة وعد الشمال، والتوسع في دراسة منتجات وصناعة الفوسفات القيمة التنافسية للمنطقة.. وسيقوم الشركاء بالتنسيق مع الجهات المعنية في المملكة للمساعدة في رفع القدرات الأكاديمية والعلمية للطلاب في مدرستين في مدينتي طريف وعرعر.. وتتعاون شركة «معادن» مع المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني لإنشاء وتطوير مركز تدريب متخصص في مدينة وعد الشمال.. وسيتحقق الهدف من «التوطين» بزيادة نسبة الموظفين السعوديين في الشركة، ورفع كفاءة القوى العاملة المحلية القريبة من أعمال الشركة من خلال التدريب، وبناء قاعدة للموردين المحليين، والبدء في برامج تساعد على تطوير الأنشطة الصغيرة والمتوسطة بمنطقة الحدود الشمالية.
التنمية الإقليمية المتوازنة تفتح المزيد من المجالات للاستثمار الوطني والأجنبي المشترك، وتساعد في تشجيع القطاع الخاص على المشاركة الفعلية في التنمية المتوازنة، وتعمل على تنمية القوى البشرية العاملة الوطنية من شباب وشابات الوطن من خلال برامج تأهيل وتدريب مخططة وموجهة بعناية نحو الفرص الاقتصادية والميزات التنافسية للمناطق الإدارية الثلاث عشرة وفقاً لبرنامج عمل وطني واضح المعالم ومحدد الخطوات بعيداً عن الصياغات الورقية الروتينية التي لا تحاكي التطلعات ولا تحقق الريادة التي تنشدها القيادة ويأملها المواطن.. وفي هذا السياق تشير التقديرات والمؤشرات الأولية الواردة في خطة وإستراتيجية الموارد البشرية للمدن الاقتصادية في المملكة إلى أن القوى البشرية العاملة الوطنية ستحظى في منظومة المدن الاقتصادية الجديدة بتوفر حوالي 1.3 مليون وظيفة بحلول عام 2020م تتوزع بنسبة 35% وظائف منخفضة المهارات، و52 % وظائف متوسطة المهارات، 13 % وظائف مرتفعة المهارات.. وأيضاً تشير تقديرات أولية صادرة من الهيئة العاملة للاستثمار إلى أن المدن الاقتصادية المعلن عنها ستوفر نحو مليون وثلاثمائة ألف فرصة عمل بحلول عام 2020م.
تعيد وعد الشمال ذكريات مشروع خط التابلاين الذي كان تحدياً في صناعة النفط في ذلك الوقت، لأنه خطوة عملاقة تجاوزت صعوبة الصحراء وتحديات الضخ وطول الخط الذي بلغ نحو (1664) كيلو متراً، وقد تم إنفاق (150) مليون دولار لإنشائه واستعمل فيه (350) ألف طن من الأنابيب و(3000) قطعة من الآليات ومعدات البناء، وشارك في تنفيذ إنشاء المشروع ما يقارب (16) ألف عامل.. وتم استكماله وضخ النفط منه في عام 1950م، وأُنشئت له خمس مضخات في النعيرية والقيصومة ورفحاء وعرعر، وآخرها طريف التي تؤسس الآن لوعد الشمال التي ستحدث نقلة اقتصادية واجتماعية وثقافية نوعية ليس لسكان منطقة الحدود الشمالية فحسب، بل المناطق الأخرى المحيطة بها كما هو الأثر لخط التابلاين سابقاً.
ضمان الأمان والاستقرار المالي والنقدي محفز للاقتصاد السعودي وجاذب للاستثمار الخارجي، وتنويع وتوزيع الفرص الاستثمارية في غاية الأهمية في ظل هذه التحديات التي تعيشها المنطقة ويتأثر بها العالم.
التنمية الوطنية الشاملة والمستدامة هدف وغاية للمدن الاقتصادية وفي مقدمتها مدينة وعد الشمال الاقتصادية فالفرص الاستثمارية القائمة على مزيج من البدائل والخيارات الاقتصادية والاستثمارية، وبشكل مستدام يسمح بالحفاظ على مصادر المملكة الناضبة من النفط والغاز والمعادن الأخرى لأجيال المستقبل، وبتبني هذا الرؤية، فإن المملكة تدرك دورها المحوري في منظومة الاقتصاد العالمي، وعليها أن تضيف لاقتصادها المحلي ميزات تنافسية متجددة باستمرار لترسم مستقبل سياسة المملكة ليست النفطية فحسب، ولكن إستراتيجيات بدائل تستغل الثروات الكثيرة من أرض الوطن وتستند إلى الإنتاجية التنافسية التي تفرز سلعاً وخدمات عالية الجودة، وتأخذ بمبادرة جادة لتبني الاقتصاد القائم على المعرفة في مختلف المجالات.
مراحل التحول والانتقال إلى الاقتصاد التنافسي، والاقتصاد المعرفي تحقيقه مرهون بضمان جدول زمني محدد محل التزام من القطاعات الإنتاجية والخدمية السعودية كافة يتدرج فيه التحول بحسب اقتصاديات التنافسية الكفؤة واتجاهات السوق والذي بحاجة إلى بناء مسارات اقتصادية ومعايير جودة واضحة المعالم ومؤشرات قياس واقعية معلومة ومتاحة للرأي العام لضمان حيادية التقييم والتقويم، وتطوير الإنتاجية الكلية لجميع عناصر الإنتاج باستخدام أساليب إنتاج ذات الكثافة الرأسمالية بتيسير التمويل والضمانات المالية وعنصر الأرض والخدمات الأساسية والتقنية.
تحديث هياكل منشآت القطاع الخاص باستبدال التجهيزات والمعدات القديمة والعمالة منخفضة الأجور وغير الماهرة ببنية تحتية مكتملة في التجهيزات والمعدات والأجهزة والتقنيات، وتبني التطوير الإداري والتنظيمي الشامل لكافة الأنظمة الإدارية والمالية ونظم المعلومات وأنظمة وبرامج الحاسب الآلي، وتأهيل وتدريب قوى بشرية عاملة وطنية ومستقدمه بمهارات ومعارف تواكب متطلبات سوق العمل واتجاهات الاقتصاد العالمي.
وضع معايير ومهارات ومستوى تأهيل للعمالة التي يتم استقدامها وتحديد مدة قصيرة محل التزام لبقاء العامل داخل المملكة ومن ثم مغادرته، ورفع مستوى الأجور لضمان استقدام عنصر عمل محترف وللتنويع في المهارات والحصول على خبرات احترافية متجددة.
إيجاد قطاع اقتصادي إنتاجي - جديد غير النفط والغاز - قائد يحقق مفهوم الجودة الشاملة في المخرجات «سلع وخدمات» يتولى قيادة الأنشطة الاقتصادية الأخرى بكفاءة وفاعلية من أجل أن تتبوأ المملكة مكانة هي تستحقها في منظومة الاقتصاد العالمي انطلاقاً من الإنتاجية التنافسية ذات الجودة العالية في السلع والخدمات بقيمة مضافة وميزة تنافسية أقوى توازي النفط والغاز، وقد تتفوق على ذلك في المستقبل القريب إذا ما أُريد لها.
أهمية التنمية المتوازنة بين المناطق لا تقل أهمية عن الإنتاجية التنافسية بدعم التنمية في المناطق الواعدة، وتعزز الاستفادة من التباين بين المناطق المختلفة في المزايا النسبية الاقتصادية والجغرافية والسكانية، بما يعيد توزيع الفرص بين مختلف مناطق المملكة بحسب الميزة النسبية لكل منطقة، ذلك أن الميزة الجيوسياسية للمملكة بكونها تربط بين قارتي آسيا وأفريقيا وبحدود بحرية طويلة تتخللها نقاط إستراتيجية متعددة يمكن استثمارها بفرص واعده تراكمية الأهداف.
الرؤية الإستراتيجية لوعد الشمال تتجاوز كل الأبعاد لتصبح نقطة ارتكاز في وسط شمال المملكة لاستيعاب الأزمات والطوارئ في ربطها بقطار الشمال الجنوب بميناء رأس الخير على الخليج العربي.. ولتكتمل الحسابات ينبغي ربط المدن والقواعد العسكرية في كافة المناطق التي يمر الخط بالقرب منها بخطوط ومحطات للقطار لتسهيل عمليات النقل والإمداد، وربط وعد الشمال بخط حديدي آخر في محطة على شمال البحر الأحمر القريب جداً من البحر الأبيض المتوسط لتيسير عمليات التصدير وتفادي الاختناقات التي قد تطرأ.
هيئة المدن الاقتصادية من الهيئات الوطنية الحديثة للإشراف الكامل على المدن الاقتصادية لتحقيق الأهداف التنموية والاقتصادية والاستثمارية المحلية والأجنبية وجعل المدن الاقتصادية من أكثر مواقع جذب الاستثمار في عالم الإنتاجية التنافسية، وتقديم كافة الحوافز والتسهيلات للمستثمرين في المدن الاقتصادية ومنها النص على تطبيق مفهوم (60×24×7) الذي يلزم المدن الاقتصادية بتقديم جميع الخدمات الحكومية للمستثمرين والساكنين خلال مدة لا تتجاوز 60 دقيقة على مدار الساعة، وخلال جميع أيام الأسبوع السبعة لتحقيق تطلعات القيادة التي تتخطى التوازي مع المتطور من دول الجوار والتطور معه إلى منصة الصدارة مع الاقتصاد العالمي الأول، وعلى القائمين على الاقتصاد والتخطيط والتمويل مسؤولية إدراك أن لا تنمو نخلة ما لم يضرب الأرض معول وتزرع فسيلة.