تؤدي العلوم والتقنية والابتكار دوراً حيوياً في تعزيز مكانة الدول، ودوراً حاسماً في تلبية احتياجات أمنها الوطني الشامل. ويتطلب هذا إرساء منظومة وطنية فاعلة للعلوم والتقنية والابتكار قادرة على توطين وتطوير التقنية واستنباتها بما يخدم القطاعات التنموية المختلفة،
ويعزز من قدراتها التنافسية. كما يحتاج أيضاً إلى حشد وتعزيز وتنمية القدرات والإمكانات العلمية والتقنية وتوجيهها نحو الأولويات والاحتياجات الوطنية، وتنمية وتطوير النظم والبُنى المؤسسية للتعليم، والبحث العلمي، والتطوير التقني، علاوة على توفير البيئة المناسبة اللازمة للإبداع والابتكار والتطوير.
وفي هذا الإطار يُعد التعاون بين القطاعين العام والخاص وبين المجتمعين العلمي والتقني في مجال أنشطة البحث العلمي من مرتكزات تحقيق تطوير وتعزيز الميزات النسبية لإنتاج السلع والخدمات باختلافها، مما يجعل الأمة أكثر اعتماداً على النفس ومرونة لمقاومة التحديات الكبرى الناجمة عن البيئة الاقتصادية المحلية والدولية المتقلبة. ومن ثم فإنه من الأهمية بمكان أن تسعى الدولة إلى تكثيف أنشطة البحث والتطوير، سواء أكانت التطبيقية أو النظرية من خلال توجيه حصة محددة من موارد القطاع الحكومي والخاص نحو تنمية القدرات البحثية والتطويرية (RالجزيرةD) الوطنية، فضلاً عن تنمية القوى البشرية الملائمة في مجال البحث والتطوير وفق أولويات برامج التنمية الوطنية، إضافة إلى استخدام «نظم الحوافز والمعونات الفنية» لتشجيع مبادرات القطاع الخاص في هذه المجالات.
تم اعتماد وثيقة السياسة الوطنية للعلوم والتقنية في المملكة من قبل مجلس الوزراء يوم الاثنين الموافق 27-4-1423هـ. حيث يتكون إطار الخطة من مبادئ وأسس تنطلق منها في رسم توجهاتها، ومن غايات وأهداف عامة وأسس إستراتيجية تشكل الأجزاء الرئيسة لها، وتنسجم مع توجهات وأهداف خطط التنمية الوطنية والخطط والسياسات القطاعية المختلفة في المملكة.
وتنطلق السياسة الوطنية للعلوم والتقنية في سعيها نحو بلوغ غايات المملكة بعيدة المدى في مجالات العلوم والتقنية من مبادئ وأسس تحكم مختلف الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية، وتُستمد من المبادئ والقيم والتعاليم الإسلامية التي تحض على العلم والتعلم وإتقان العمل وعمارة الأرض، كما تستند إلى التراث الثقافي العربي الإسلامي العريق.
ترتكز سياسة العلوم والتقنية على القيم والمبادئ والتعاليم الإسلامية التي تحض على العلم والتعلم وإتقان العمل وعمارة الأرض، كما تستند إلى التراث الثقافي العربي الإسلامي العريق. كما تؤكد المنطلقات على الرصيد الحضاري للمملكة الذي يؤهلها -بهدي القيم الإسلامية- من المشاركة بفعالية في بناء الحضارة الإنسانية المعاصرة والإسهام في تطويرها. ومن جهة أخرى تؤكد السياسة على أهمية الوعي بالتحديات التي تنطوي عليها التحولات والمتغيرات العالمية المعاصرة والمستجدة، وضرورة حشد الإمكانات والقدرات الوطنية لمواجهتها وإدراك الفرص التي تتيحها واستيعابها واستغلالها بالسرعة المطلوبة.
تتمثل الغايات الأساس للسياسة الوطنية للعلوم والتقنية في تحقيق التطور العلمي والتقني المتفق مع مبادئ الشريعة الإسلامية، والموجه إلى المحافظة على الأمن الوطني الشامل، وخدمة التنمية الشاملة المتوازنة المستدامة، ورفع مستوى معيشة المواطن ونوعية حياته وضمان مستقبل أفضل للأجيال القادمة، والإسهام في بناء حضارة إنسانية تشع فيها القيم الإسلامية بمثلها الأخلاقية الرفيعة.
تتبنى الأهداف العامة للسياسة منظوراً شمولياً لمنظومة العلوم والتقنية والابتكار على المستوى الوطني تتم من خلاله العناية بإعداد القوى البشرية في مجالات العلوم والتقنية، ورعاية البحث العلمي، وذلك بتوفير الموارد والسبل اللازمة لتنمية منظومة العلوم والتقنية والابتكار، ودعم وتنمية القدرات التقنية الوطنية في القطاعات المختلفة، والتطوير المستمر للأنظمة المعنية بالعلوم والتقنية، وتعزيز التعاون العلمي والتقني مع العالم الخارجي، وتعزيز الأنشطة المساندة للعلوم والتقنية كخدمات المعلومات والتقييس وبراءات الاختراع والمكاتب الاستشارية الهندسية والجمعيات العلمية، والاستثمار الأمثل للمعلومات وتقنياتها بما يواكب متطلبات المجتمع المعلوماتي واقتصاد المعرفة، وتسخير العلوم والتقنية للمحافظة على الموارد الطبيعية وحماية البيئة وتنميتها، وإيجاد الوعي لدى أفراد المجتمع بأهمية العلوم والتقنية.
تضمنت السياسة الوطنية للعلوم والتقنية في المملكة عشرة أسس إستراتيجية، لكل منها مجموعة من السياسات التنفيذية. حيث تسعى تلك الأسس إلى تحقيق تلك الأهداف بالعمل على تبني رؤية شمولية في تطوير منظومة العلوم والتقنية والابتكار تؤدي إلى تآزر مكونات هذه المنظومة وتناسق خططها وتوثيق روابطها وتفاعلها مع الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتفعيل دور التعليم والتدريب ورفع كفاءتهما اتساعاً وتنوعاً بما يتفق واحتياجات التقدم العلمي والتقني المنشود والتأكيد على استمرار مواكبتهما للتطورات العلمية والمستجدات التقنية العالمية وتحدياتها، وتهيئة السبل الكفيلة بتعزيز وتطوير القدرات الوطنية في البحث العلمي والتطوير التقني وتنسيق جهودها وضمان تلبيتها وتكاملها مع احتياجات المجتمع ومتطلبات التنمية المستدامة، وتتمثل هذه الأسس في الآتي:
الأساس الأول: العمل على تبني رؤية شمولية في تطوير منظومة العلوم والتقنية والابتكار بما يؤدي إلى تآزر مكوناتها، وتناسق خططها، وتوثيق روابطها، وتفاعلها مع الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
الأساس الثاني: تفعيل دور التعليم والتدريب المواكبان للتقدم العلمي والتقني.
الأساس الثالث: تهيئة السبل الكفيلة بتعزيز وتطوير القدرات الوطنية في البحث العلمي والتطوير التقني وتنسيق جهودها، وضمان تلبيتها وتكاملها مع احتياجات المجتمع ومتطلبات التنمية المستدامة. وذلك من خلال السياسات الآتية:
* إيجاد آلية مناسبة وفعالة تشارك بها الجهات البحثية والمستفيدة في القطاعين الحكومي والخاص تعمل على تنسيق جهود المؤسسات البحثية وتكاملها.
* حفز وتشجيع الطلب الاقتصادي والاجتماعي على أنشطة المؤسسات الوطنية للبحث العلمي والتطوير التقني بكافة الوسائل والسبل الممكنة.
* إنشاء وحدات جديدة للبحث والتطوير في القطاعين الحكومي والخاص، ذات قدرت تقنية متكاملة في المجالات الإستراتيجية الرائدة في الاقتصاد الوطني.
* إيجاد وتقوية القدرات الوطنية في مجالات التصميم والتطوير الهندسي والهندسة العكسية، لاسيما في القطاعات الإنتاجية.
* الاهتمام بتعزيز القدرات التسويقية لمؤسسات البحث والتطوير، مع العمل على إشراك ممثلي الجهات المستفيدة من منتجات تلك المؤسسات في وضع برامجها.
* توفير الإمكانات اللازمة للارتقاء بالمراكز البحثية في مؤسسات التعليم العالي، وتطويرها، لتصبح ركيزة رئيسة للبحوث الموجهة لخدمة التنمية، ولتشارك بفعالية في التقدم العلمي والتقني المعاصر.
* تبني آليات فاعلة لتوثيق العلاقة بين مؤسسات البحث العلمي والتطوير التقني من جهة والقطاعات الإنتاجية والخدمية من جهة أخرى.
* العمل على زيادة أعداد العاملين في مجالات البحث والتطوير مع مراعاة التوازن بين فئاتهم المختلفة.
* تشجيع تبادل الباحثين بمختلف فئاتهم بين مراكز البحث والتطوير، في الجامعات والمؤسسات الإنتاجية والخدمية في القطاعين الحكومي والخاص.
* إيجاد الآليات والوسائل الكفيلة بالاستفادة من العلماء والباحثين المتميزين من غير السعوديين في تطوير القدرات الوطنية للبحث والتطوير في مجالات إستراتيجية رائدة.
الأساس الرابع: العمل على تبني اتجاهات رئيسة للبحث العلمي والتطوير التقني تلبي متطلبات أولويات الأمن الوطني الشامل والتنمية المستدامة. وذلك من خلال السياسات الآتية:
* توجيه البحث العلمي والتطوير التقني لتحقيق الأمن المائي.
* توجيه البحث العلمي والتطوير التقني لتأمين الاحتياجات الإستراتيجية للدفاع والأمن الوطني.
* توجيه البحث العلمي والتطوير التقني لتعزيز القدرات التنافسية لقطاعات النفط والغاز والصناعات البتروكيميائية.
* دعم البحث العلمي والتطوير التقني في مجالات المحافظة على البيئة واستكشاف الموارد الطبيعية وتنميتها وترشيد استخدامها.
* العناية بالبحث العلمي والتطوير التقني في مجال الإلكترونيات والاتصالات والمعلومات.
* توجيه البحث العلمي والتطوير التقني لخدمة الشعائر الإسلامية وتيسير أدائها.
* رصد وتتبع الفرص الواعدة التي تتيحها التطورات العلمية والتقنية المعاصرة والمستجدة، خاصة في المجالات المتوقع كون تأثيرها ملموساً على الاقتصاد الوطني في العقدين القادمين.
* تطوير آليات ومنهجيات فاعلة لتحديد ومراجعة أوليات البحث العلمي والتطوير التقني على المستوى الوطني تشارك فيها الجهات ذات العلاقة.
الأساس الخامس: تعزيز وتطوير وتنويع مصادر الدعم المالي المخصصة لأنشطة منظومة العلوم والتقنية والابتكار. وذلك من خلال السياسات الآتية:
* وضع برنامج زمني لزيادة موارد البحث والتطوير من مختلف المصادر (حكومي، خاص، أفراد، منظمات دولية، مؤسسات أو شركات أجنبية، وغيرها) ليصل تدريجياً بحلول عام (1441هـ) (2020م) إلى (1.6%) من الناتج المحلي الإجمالي للمملكة.
* تشجيع مراكز البحث والتطوير والخدمات المساندة في القطاع الحكومي على استمرار زيادة مصادر التمويل الذاتي لنشاطاتها.
* التوكيد على ضرورة تخصيص نسبة محددة من ميزانية المؤسسات الخاصة والحكومية لأغراض البحث والتطوير، والتدريب والتأهيل المستمر.
* تعزيز الاستفادة من برامج التعاون والمنح الدولية في دعم أنشطة العلوم والتقنية والابتكار.
الأساس السادس: نقل وتوطين واستنبات وتطوير التقنية الملائمة لرفع الكفاءة الإنتاجية، وتعزيز القدرات التنافسية للقطاعات الإنتاجية والخدمية.
الأساس السابع: دعم ورعاية وتشجيع القدرات البشرية الوطنية للإبداع والابتكار.
الأساس الثامن: تطوير الأنظمة، ورفع كفاءة التنظيم والإدارة في المؤسسات العلمية والتقنية لتتلاءم مع المتطلبات الحالية والمستقبلية للتنمية الشاملة والمستدامة.
الأساس التاسع: تطوير التعاون العلمي والتقني على المستوى الخليجي والعربي والإسلامي والدولي مع التركيز على البلدان والمؤسسات المتقدمة.
الأساس العاشر: إتاحة المعلومات العلمية والتقنية وتيسير كافة السبل للوصول إليها في إطار نظم تتفق مع أهداف وظروف المملكة العربية السعودية. وذلك من خلال السياسات التالية:
* ربط المؤسسات العلمية ومراكز البحوث بشبكة معلومات وطنية عالية السرعة لتبادل الخبرات في الداخل والخارج وإثراء البحث العلمي والتطوير التقني.
* إيجاد الآليات اللازمة لضمان أمن المعلومات وحمايتها.
تعتمد إدارة تنفيذ السياسة الوطنية للعلوم والتقنية على التفاعل بين القطاعين العام والخاص، وإعادة هيكلة البنى التحتية لمنظومة العلوم والتقنية لتتلاءم مع التقدم العلمي والتقني المتنامي، والذي ما زال محدوداً. وتبني دعم مالي من القطاع العام والخاص يستهدف وصول الإنفاق على هذا المجال إلى (1,6) في عام 2020م إلا أنه لم يتقدم الدعم كثيراً، إذ لم يبق من المدة المستهدفة عدا نحو 5 سنوات، وبالتالي لن يصل خلالها الدعم إلى المأمول مقارنة بالمدة الماضية من 2004م التي كان فيها نمو الإنفاق على هذا المجال بنحو (0,05) حتى عام 2010م.
أن إعطاء المجالات التقنية مساحة أوسع لتكوين نخبة من المتخصصين لتطوير وتوطين التقنية، ما زال لم يشاهد في شكل منتج محلي يتمثل في سلعة أو خدمة لها قيمة تنافسية على المستوى الوطني والدولي، ولا خبراء بارزين في تقنيات معينة أو مهارات محددة يحظون بثقة محلية ودولية. وكذلك عدم سن تشريعات متكاملة لتنفيذ محتويات هذه السياسة.
يبدو أن عنصر الإعلام لم يدخل كمتغير للدفع بالسياسة الوطنية للعلوم والتقنية إلى الواجهة لتبدو جلية داخلياً وخارجياً. ولعل معالي وزير الثقافة والإعلام الأخ الدكتور/ عبدالعزيز بن عبدالله الخضيري يملك من المهارات القيادية والخبرات الفنية والرؤية الإستراتيجية ما يمكنه من الأخذ بزمام المبادرة لإبراز سياسات العلوم والتقنية السعودية بما تمتلكه من مدن وجامعات وطنية للعلوم والتقنية هي حقاً محل ريادة وصدارة عالمية.
يبدو أن التشريعات تواجه تحديات ترتبط بالبيئة والطاقة، وتراكمات تتعلق بعدم المواكبة خاصة ما يتعلق بالجرائم التقنية والمعلوماتية وحقوق الملكية الفكرية، فضلاً عن جمود التخطيط المؤطر بخطط خمسية قد لا تستجيب للتحديات والعقبات بالسرعة المطلوبة، ليلفت النظر إلى أهمية التحول من هذا النمط التقليدي من التخطيط إلى التخطيط السلوكي في مسارات إستراتيجية تحاكي التحولات السريعة والمواقف الطارئة، وتدع التخطيط في التفاصيل للجهات التنفيذية التي عليها إرساء الخطط التي تواكب أهدافها لضمان الجودة والكفاءة والسرعة في تحقيق الأهداف ورفع مستوى الإنتاجية.
الاحتياج الوطني في ظل التحديات الراهنة والصراعات الإقليمية والتوجسات الداخلية أضحى بحاجة إلى إيجاد مراكز تحليل للمعلومات، ومؤسسات وطنية رائدة لدراسة الجدوى والاستشراف والمتابعة والتقييم والتقويم، باعتبارها الحاضن المعني بتهيئة خبير وطني محترف في مجال التحليل المعلوماتي الإستراتيجي، وإيجاد مراكز التفكير الإستراتيجي للاستشراف لمستقبل تحدياته أكثر غموضاً توحي بضرورة إيجاد مؤسسات وسيطة لربط قطاعات المنظومة بعرى وثيقة من أجل تنفيذ الغايات التي تحقق أهداف خطط التنمية المستدامة بكافة أبعادها. وإنشاء جامعات متخصصة في مجال الطاقة والنفط، وتضمين كل جامعة حكومية أو أهلية كلية وأقسام تعنى بعلوم ودراسات البترول ومصادر الطاقة. وبناء هيئات ومراكز للتعليم والتدريب في مجال يحق للمملكة أن تكون المحترف الأول فيه وهو مجال الأمن والسلامة المهنية المتصلة بالطاقة والنفط لبناء الخبير الوطني الذي ينافس محلياً ودولياً.