محمد سليمان العنقري
رغم أن نظام العقود المؤقتة وبنود التشغيل أتاح معالجة لاحتياجات الجهات الحكومية من الكوادر البشرية عبر صلاحيات التوظيف المباشر الممنوحة لها وفق هذا النظام كون ما يعتمد لها من وظائف دائمة تخضع لنظام المراتب الحكومية التابع لأنظمة وزارة الخدمة المدنية أقل من احتياجها الا ان التوسع الكبير بأعمال الجهات الرسمية بعد خطط التنمية التي توسع فيها الانفاق الحكومي بحجم غير مسبوق أدى بالمقابل للزيادة بأعداد الموظفين الحكوميين عموماً،
وبالتالي من هم على أنظمة العقود والبنود المؤقتة مما ساهم باستمرار مشكلة تثبيتهم على وظائف دائمة.
فمنذ عشرة أعوام صدر امران ملكيان كريمان بتثبيت هذه الفئة من الموظفين وانهيت اجراءات تثبيت عدد كبير ممن شملتهم الأوامر، الا ان استمرار العمل بهذه الانظمة للتوظيف أبقى الاشكالية قائمة كون بقاء العمل بها يعني مزيداً من التوظيف وفق لوائحها وبذلك ستبقى مطالباتهم بالتثبيت قائمة لدى الجهات التي يعملون معها كحق طبيعي ينشدون من خلاله الاستقرار والامان الوظيفي، حيث يمضي كثير منهم سنوات طويلة يعمل تحت لوائح هذه الانظمة، مما يساهم بتعطيل الكثير من قراراتهم الخاصة بحياتهم الشخصية كالزواج او حتى تحسين مداخيلهم لان هذه العقود لها معايير مختلفة بحساب الأجر تكون اقل من نظرائهم بالوظائف الرسمية.
فإذا كانت الجهات الرسمية تستفيد من مرونة النظام بالتوظيف المباشر لتغطية احتياجاتها، لكن بنفس الوقت فإنها تواجه اشكاليات عديدة مع مرور الزمن، حيث تزداد اعداد من هم على هذه الانظمة، ولا يمكن ان تستوعبهم اي اعداد تعتمد سنوياً للوظائف الرسمية، ولا يمكن الاستغناء عنهم، لأن احتياجات العمل تتوسع باستمرار بل ان ما سمعناه بوسائل الاعلام التي نقلت معاناتهم انهم يعينون على وظائف بمسميات تختلف عن طبيعة الاعمال التي يؤدونها واقعيا، وهو ما قد يعد مخالفة لنظام هذا النوع من التوظيف لانه حدد فيه مسميات وظائف معينة، لكن لجوء بعض هذه الجهات كما يبدو لتشغيلهم بأعمال مختلفة عن المسمى بالعقد الوظيفي المؤقت نابع من حاجة تلك الجهات لمختصين باعمال معينة لا يشمل مسمياتها نظام التعاقد المباشر كنتيجة لأن ما يعتمد سنويا لهم من الوظائف الرسمية اقل من احتياجهم وهذا يسبب خللاً بجوانب عديدة، فبعضهم يحمل مؤهلا مهنيا او جامعيا، ويمارس عمل نظيره الذي يشغل وظيفة رسمية لكن الفرق بالاجور والمميزات كبير، كما أنه قد لاتستطيع اي جهة محاسبتهم على تقصيرهم او خطئهم بعملهم، كما هو الحال لمن هو مثبت رسمياً، والمقصود هو الاعمال نفسها من حيث طبيعتها التخصصية وليس الحضور والانصراف او التغيب عن العمل، فكيف ستحاسب موظفا متعاقدا او على البند بوظيفة عامل على خطئه بعمل مختلف عن المسمى الوظيفي بالعقد حتى وان كان يحمل مؤهلا مناسبا له فالجهة المتعاقدة تكلفه بعمل بينما عقده على عمل مختلف كما ان الأجر الذي يتقاضاه يقل بمقدار قد يصل الى النصف عن نظيره الرسمي وهذا له دور سلبي يؤثر على عطائه وجودة عمله خصوصا اذا طالت مدة انتظار تثبيته.
وبالمقابل فإن هذا المتعاقد قد يخسر سنوات طويلة دون أن يحصل على اي تطور في حياته من الناحية المعيشية بل انه قد لا يتمكن من الحصول على شهادة خبرة تتناسب مع مهامه الفعلية اذا قرر ترك العمل، لان الاصل سيكون ذكر ما نص عليه العقد الرسمي الموقع بينه وبين الجهة التي تعاقدت معه وبمعزل عن ذكر اي امثلة او شواهد سلبية نتجت عن بقاء هذا النوع من التعاقد او حتى الايجابيات التي تم اقرار هذا النظام بسببها من سنوات طويلة، فإن الحاجة لاعادة النظر بتلك العقود والبنود وهيكلة أنظمتها وتطوير حتى لوائح الخدمة المدنية بما يزيل كل تلك السلبيات بات ضرورة تخدم جميع الأطراف.
وبما أن هناك ميزانيات ترصد لهذا النوع من التوظيف ويستمر معها المتعاقدون بوظائفهم لسنوات طويلة فلماذا لا ينظر باعتماد هذه الاموال لتثبيتهم وفق الاحتياج الذي يغطى من خلال هذا النظام الوظيفي بدلاً من ابقائهم بوضع مؤقت وغير واضح لمستقبلهم المهني والوظيفي؟ كما أن السؤال الذي يطرح نفسه لماذا لم تدقق وزارة الخدمة المدنية على عقود تعيينهم بوظائف اقل من مؤهلات بعضهم واي مخالفات أخرى لان ذلك اوجد مشكلة تراكمت مع الزمن وبنفس الوقت، فإن بقاء هذا النظام التعاقدي دون تطوير وهيكلة من قبل وزارة الخدمة المدنية يثير الاستغراب، فمن الاجدى ان يتطور الى ان يكون له تصنيف باللوائح يعطي صفة الديمومة لايجاد الاستقرار الوظيفي لهم عبر تنوع بلوائح ومراتب الخدمة المدنية تكون مختلفة من حيث التصنيف للوائح تخص الاداريين والفنيين وغيرهم، تختلف عن بعضها بالسلم الوظيفي ودرجاته.
قضية موظفي العقود والبنود تتجدد دائماً والحلول تنصب عبر التثبيت فقط الذي يخضع لظروف متباينة وفقاً لرؤية كل جهة معنية كالمالية او الخدمة المدنية، الا ان بقاءها يتكرر بسبب استمرار صيغة التعاقد ذات الصبغة المؤقتة سيبقيها دون حلول جذرية مما يتطلب إعادة شاملة لنظام العقود والبنود تلغي سلبياته وتنهي معانات من يعملون وفق لوائحه الحالية وتحقق المنفعة لكل الأطراف.