عبدالعزيز السماري
لم يتعرض بلد في التاريخ للحروب والفتن والخراب مثلما تعرض له العراق، فقد كان وما زال هذا البلد العظيم ينزف دماً بسبب الفكر الديني وبسبب حاكمية التاريخ القديم على الحاضر، والعراق في هذه الأيام على وجه التحديد، ينزف ألماً ودماً في الحرب الطائفية الطاحنة ما بين السلفية الجهادية الغازية، والتطرف الشيعي القادم من إيران، ويظهر ذلك في المليشيات التي تحارب باسم العراق ضد داعش، والتي ترفع على جبين محاربيها شعارات طائفية، وفي تلك المشاهد المروعة التي تمارسها الظاهره الداعشية.
مازلت أعتقد أن وصول الثورة الاثني عشرية المتطرفة في عام 1979 ميلادي إلى الحكم في إيران كان نقطة تحول تاريخية في الشرق المسلم، فالتأجيج الطائفي منذ تلك اللحظة أخذ مساراً تصاعدياً، ولا يتراجع، وقد يؤدي بالمنطقة للتدمير الكامل ما لم يعد العقل المدني إلى رشده، ويتوقف رجال الدين عن الحديث في السياسة وتجنيد أحداثها التاريخية الصحيحة والملفقة في خدمة الأهداف الفارسية في الأراضي العربية تحت ذريعة الانتقام للمظلومية التاريخية أو غيرها من الخزعبلات الطائفية.
كان آخرها ما أكده في الأمس القريب معتمد للمرجع الشيعي الأعلى في العراق آية الله السيستاني الرواية المثيرة للجدل حول اعتداء الخليفة الثاني عمر بن الخطاب على السيدة فاطمة ابنة النبي محمد عليه أفضل الصلوات والتسليم، وكسر ضلعها واجهاض جنينها، مما تسبب في وفاتها، فقد اعتبر ذلك واحدة من أكبر مظلوميات الشيعة، وهي قصة ملفقة، سبق وأن فندها علماء من الشيعة العرب، ومع ذلك ما زال العقل الفارسي المتطرف يستخدمها لتمزيق الفؤاد العربي على أرضه وبسواعد أبنائه.
إذا لم يكن ما تفعله إيران في العراق ليس إرهاباً، فما هو إذن الإرهاب، وهو ما يثير كثيراً من الأسئلة عن الموقف الغربي فيما يحدث في المنطقة، ولماذا تم حصر الإرهاب فقط في السلفية الجهادية في داعش وغيرها، بينما يدرك الجميع أن داعش وإيران والكتائب الشيعية المتطرفة وجوه متعددة للتطرف والكراهية، وإذا لم تُتخذ قرارات دولية تنص على إخراج إيران وداعش من العراق وسوريا، لن نصل إلى زمن السلام، وستتمزق المنطقة العربية إلى كانتونات طائفية، المستفيد الأكبر منها دولتا إسرائيل وإيران.
غرابة الموقف الغربي لا تدخل من باب التفكير المؤامراتي الشهير، ولكن من المخططات الإستراتيجية التي كانت مطروحة في الماضي القريب من قبل المستشرق البريطاني برنارد لويس والمؤرخ المختص في الدراسات الشرقية الإفريقية بلندن، والذي يعتبر صاحب أخطر مخطط طُرح في الغرب لتفتيت الشرق الأوسط إلى أكثر من ثلاثين دويلة اثنية ومذهبية، حسب ما نشرته مجالات دورية متخصصة، ويعتمد على تشجيع إثارة النعرات العرقية والدينية في المنطقة ثم السكوت عنها.
لهذا السبب يعتبر تصريح معتمد السيستاني خطير جداً، ويصب في مصلحة ذلك المخطط الاستعماري، وبما أن السيستاني فارسي الأصل، ويقوم بدور المرجعية الشيعية الكبرى في العراق، فإن تصريحه يصب في مصلحة التفتيت للمنطقة، كما يعني أن العراق يقع في الوقت الحاضر تحت الاحتلال الفارسي بكل ما تعنيه الكلمة، وهو ما يضعف الحرب العربية ضد الإرهاب السني في داعش وغيرها، وإذا لم تتوقف إيران عن التدخل في العراق والمنطقة العربية ستزداد حدة الإرهاب السني في المنطقة، والذين يشكلون الغالبية الكبرى.
علينا بمخاطبة الشيعة العرب الذي يتصرفون بعاطفة طائفية وبدون إدراك لخطورة الموقف على أوطانهم مباشرة، وأن نوضح لهم أنهم بتصرفاتهم الطائفية يساهمون في مساعدة المد الفارسي في المنطقة العربية، وما يحدث في اليمن دليل على ذلك، وسأذكرهم بما صرح به المرجع الشيعي اللبناني السيد محمد حسن الأمين في أكثر من مناسبة أن إيران تسعى للتمدد على أساس القومية الفارسية وليس الإسلامية، وإذا لم يصحوا العرب الشيعة من سكرتهم والبكاء حول مظلوميات ليس لها علاقة بالزمن الحاضر سنتحول إلى دويلات صغيرة ليس لها حول ولا قوة، وتُدار من خارج المنطقة..
كذلك على العرب السنة أن يدركوا أن الشيعة العرب أخوة لهم، وأن مصادرة حقوقهم وكرامتهم تقذف بهم في أحضان الغلو الفارسي، لذلك يتحمل المفكرون وعلماء الدين المعتدلون من الطرفين مهمة إعادة بناء جسور الثقة بين أبناء الوطن العربي الواحد، على أن يكون الخطاب وطنياًَ، وليس طائفياً، وأن يدين العلماء والمفكرون التطرف الشيعي المتمثل في تصريحات السيستاني والتدخل الفارسي في إيران، والتطرف السلفي المتمثل في داعش وعلمائها على حد سواء في العراق وخارجها، والله على ما أقول شهيد.