د. خيرية السقاف
يروق لي في أحايين كثيرة العبورُ بالمدونات، والحسابات الرقمية للشعراء، والمبدعين من الكتاب الذين أجد في عطائهم الدومي المتدفق، ما تستروح به النفس في دوحاتهم، تحلق مع مخيلاتهم، وتستأنس بلمحاتهم..، حين تستوحش طرق الكاتبين بكثير من الغث، والهش، والمتسطح، شأن جوانب عديدة في حياة الناس التي غدت في مهب ريح الخواء..
إذ هناك حاجة للأدب الجميل الذي يهذب اعوجاج الواقع الذي نحيا..، ويجمل قبحه، ويسقي جفافه..!!
الأدب الروي الذي يغسل الذاكرة من طحالب الغث الذي تكتظ به الكتابات الكثيرة، المتواترة المتقاطرة، الجارية كالسيل..!!..
بل يسافر بالمتذوق بعيداً عن غوغاء محطات كتاب الأخبار، ومحللي الأحداث، والعابثين بذوق الكلمة، ورشاقة قوامها، وخضرة كوامنها..!!
حين أفعل عبورا بما يبوحون، ألاحظ أن سمات تجمعهم كالحزن، والإحساس بالفقد، والتيه في التوجس، واللهاث نحو مجهول، كلها روابط مشتركة بينهم..!!
كما أتقصى في تأملي مصادر هذا في عباراتهم فأقف على ينابيع فوارة من القلق، والتوجس، وعدم الاطمئنان، وهشاشة الثقة في كثير من محكاتهم بالواقع..،!
فالمبدعون هم أرهف الناس، وهم مرآة لا تخطئ الانعكاس، ولا تنكفئ بصمت على محتواها،...
بل هذه المرآة ناطقة لا تصمت، وإن كانت كالحادي ينوح في وهدة صمت الكون من حوله..!!
ربما لأن عبئاً من الحياة لم يستوعبها زمنهم المتراكض في سرعته، ومتاحات الحياة الشحيحة في إيثارها معهم..،!!
ربما لأن طموحاتهم أوسع من نسيج خطواتهم على الأرض، وربما لأن نافذة الأمل صلدة الضلفة عند عبور برق الحظ لهم...!!
ربما، وربما، فالرَّغَدُ في بحرٍ لجيٍّ، والسُّنارةُ تخلو من الطُّعمِ، ، ومكابدات الحياة ترهق المفعمين إحساساً..!
والمبدعون بحّارة الإحساس، وقبُّطاناته..!
إنهم من يأخذونك على الرغم من مزاحمة أجنحة التألق في فضاءاتهم إلى حيث ترى..
فعند المبدعين تجد أنك في قلب الإحساس، وفي عمق المعنى..!!
تغوص بمناظير مكبرة..، ووعي مرهف..!
ولن تجد مرفأ لجواب إلا عند المبدعين شعراً، ونثراً..
لأن المبدعين وحدهم يأخذونك إلى السؤال..، ليدخلوك في التأويل من أوسع أبوابه،..!!
وإن حمولك في «كبسولة» مصغرة، لكنها ستزجك في تفاصيل الحياة التي ينطِّقونها، بصوت حداء مرآتهم..!!
هم رسل الحياة على كل وجه..
وهم في مناجمها الناحتون..!