د. فهد صالح عبدالله السلطان
لم يسبق للفقير إلى ربه أن أسهب في الكتابة عن موضوع اقتصادي كما كتب عن موضوع عاداتنا وميولنا الاستهلاكية الذي تم طرحه في مقالات عدة. والسبب في ذلك أن الحقائق والأرقام تتضمن مؤشرات قوية عن ميولنا الاستهلاكية وعاداتنا التبذيرية التي ستؤثر ودون أدنى شك على مستقبلنا الاقتصادي كمجتمع وكأفراد وعلى مستقبل أبنائنا فضلا عن آثارها الدينية والصحية والاجتماعية.
يبدو أننا كمجتمع نميل بطبعنا للشراء وحب الاقتناء ساعد على ذلك ما يلي:
1- تدني مستوى أماكن الترفيه والاسترخاء الذي أدى إلى زيادة الأوقات التي ننفقها في التسوق.
2ـ النظام التجاري المحلي الذي يتيح بيع السلع الاستهلاكية لوقت طويل خلال اليوم الواحد.
3- عدم توفر الآليات المناسبة للحد من استيراد السلع الرديئة.
4ـ تيسير وتسهيل عمليات التسوق كنتاج للتقدم التقني وتقدم وسائل التواصل الاجتماعي.
الأمر الذي أفضى إلى حيازتنا لكثير من المقتنيات والكماليات غير الضرورية. ويبدو أننا كمجتمع نقع في الطرف الآخر من المعادلة مع المجتمع الياباني الذي يعاني اقتصاده من محدودية استهلاكه التي أثرت بشكل سلبي على الاقتصاد مما حدا بالحكومة إلى إيجاد محفزات للاستهلاك.
هذه ليست دعوة إلى التوقف عن الاستهلاك لأن ذلك أمر ممتنع، بل أمر طبيعي إذا كان في الحدود المعقولة. ولكنها في المقابل دعوة لتأصيل سلوك الادخار والاستثمار وترشيد الاستهلاك.
هناك ما يعرف في علم الاقتصاد بـ(تكلفة الفرص البديلة).
وبمحاولة إسقاط هذا القانون على موضوعنا فإن أي عملية شراء نقوم بها من غير المستلزمات الضرورية تفقدنا فرصة ادخارية أو استثمارية كان بالامكان اغتنامها لتعزيز مستقبلنا الاقتصادي كأفراد وكمجتمع بدلاً من امتلاك مادة لا تضيف لنا أي قيمة. ماذا يعني قيام سيدة بشراء بعض الملابس والشنط والأحذية وغيرها من المكملات غير الضرورية. يعني ذلك أنها خسرت فرصة لامتلاك جزء من أصول ثابتة تدعم مستقبلها ومستقبل أبنائها الاقتصادي. وحملت خزانة بيتها بمواد فائضة عن الحاجة ستدفع تكلفتها الصحية والمالية في مستقبل الأيام. عندما ندرك هذه الحقيقة ستهدينا بصيرتنا ـ لا بصرنا ـ التي منّ الله بها علينا إلى اتخاذ القرار الرشيد.
لا يعلم مستقبل الأيام سوى الخالق جل شأنه ولكن الذي يبدو أن المستقبل الاقتصادي من منظوره العالمي سيحمل في طياته كثيراً من التحديات التي تتطلب منا إعداد العدة والاقتداء بمنهج يوسف عليه السلام في ادخار فائض الوقت الحاضر لسد حاجة المستقبل.
الذي أردت أن أصل إليه هو أن نقف مع انفسنا وقفة قصيرة ونراجع بعمليات حسابية بسيطة حجم مصروفاتنا من الكماليات مقارنة بمصاريفنا من المتطلبات الاساسية خلال فترة معينة (الربع الأول من هذا العام، على سبيل المثال). عندها سيلحظ الكثير منا أن 20 ـ 40 % فقط من مصاريفه تمت على أمور اساسية. الأمر الذي يعني أنه كان بامكانه توفير أكثر من 50 % من مصروفاته الشخصية. وعندها سيهديه عقله الرزين إلى إيقاف هذا النزيف الاستهلاكي لمدخراته وأخذ العدة والحيطة لمستقبل أيامه.
وفي المقابل فإن الجهاز الحكومي يمكن أن يسهم بدور كبير في الحد من الميول الاستهلاكية. أتمنى على الجهاز الحكومي في وطننا الكريم ايجاد بعض الضوابط والمحفزات التي تساعد على الحد من التسوق الترفي والاستهلاك ولو بشكل غير مباشر. كإنشاء أماكن الترفيه العائلي خارج المدن وتحديد ساعات عمل محلات بيع السلع الاستهلاكية غير الضرورية وتحديد استيراد السلع الرديئة.. الخ.
والله الهادي إلى سواء السبيل..