د. فهد صالح عبدالله السلطان
تحدثنا في المقال السابق و بلغة الأرقام عن ميولنا الاجتماعية نحو الاستهلاك الترفي على حساب العمل والإنتاج والادخار. وبينا من خلال الإحصاءات أننا نتربع على قمة المجتمعات العالمية في التبذير والاستهلاك الترفي واستنزاف مدخراتنا كأفراد وكمجتمع.
وفي الوقع فإنه لا يختلف اثنان على أن ذلك مناقض ومناف لديننا وشريعة نبينا, لأن الأصل في العبد المخلوق هو العمل والإنتاج وعمارة الأرض لا الاستهلاك والترف. والكل يتفق على أن العمل والإنتاج سلوك حضاري ديني، وطني، اقتصادي، اجتماعي وصحي.
كنت وعدت القراء الكرام بأنني سأستعرض في مقال هذا اليوم ما يسعفني فيه جهدي من حلول لهذا السلوك الاستهلاكي, ولكن نزولا عند رغبة الكثير منهم فإنني سأستكمل بعض المؤشرات الرقمية عن ميولنا الاستهلاكية وأعتذر للاختصار لضيق المجال. حيث سأقتصر على مؤشرين فقط هما الدلالات الإحصائية عن الفوائض من المستلزمات والأدوات المنزلية من جانب وحجم القروض الاستهلاكية من جانب آخر.
حيث تشير الدلائل الإحصائية أيضا أن البيوت السعودية بها كماليات كبيرة فائضة عن الحاجه. ووفقا للتقرير الصادر عن دوبيزل السعودية بالتعاون مع دراسة من مؤسسة الأبحاث العالمية يوغوف فإن الأغراض المستعملة في البيوت السعودية والتي لا يحتاجها مالكوها تقدر قيمتها بأكثر من 370 مليار ريال.. فعلى سبيل المثال بلغ عدد الكتب التي انتهى أصحابها من قراءتها ما يفوق 288 مليون كتاب و هذا العدد يكفي لمحو أمية كافة الأميين من الهنود. كما بينت الدراسة أن البيوت السعودية تحوي بين جنباتها ما يقدر ب 222 مليون قطعة ملابس وإكسسوارات غير مستعملة وهو ما يكفي لكساء جميع فقراء الكرة الأرضية. وفي الجانب الآخر فإنه يتوفر في البيوت السعودية 60 مليون هاتف جوال غير مستعمل تقدر قيمتا بأكثر من 56 مليار ريال. ووفقا لدراسات أعدها برنامج الثامنة فإنه يرمى في الرياض لوحدها ما معدله 12 مليون وجبة طعام يوميا فإن صح هذا الرقم فإن هذه الوجبات يمكن أن تقضي على الجوع في ثلاث دول إفريقية مجتمعة.
وبصرف النظر عن مدى دقة الأرقام أعلاه فإن البيانات والدلائل الإحصائية بما فيها البيانات التي تم استعراضها في المقال السابق تؤكد ميولنا كمجتمع نحو التبذير والاستهلاك الترفي غير المبرر.
ومن المؤسف أنه على الرغم من التخمة الاستهلاكية والتبذير واقتناء مالا ضرورة لاقتنائه فإن البيانات المالية الصادرة عن مؤسسة النقد تشير إلى ارتفاع حاد في حجم القروض الاستهلاكية في المملكة والتي تضاعفت 37 مرة خلال 16 عاما لتبلغ 333.75 مليار ريال في نهاية الربع الأول من العام الماضي مقارنة بنحو 9 مليارات عام 1998.
والمؤسف أكثر هو وجود نسبة كبيرة من الفقراء بين ظهرانينا كما يتضح من الدراسات الصادرة عن مؤسسة الملك خالد رحمه الله.
في المقال القادم سنناقش إن شاء الله أسباب ميولنا للاستهلاك على حساب الإنتاج والإبداع والحلول المقترحة للحد من هذه المعضلة الاقتصادية.
والله الهادي إلى سواء السبيل،،،،،