جاسر عبد العزيز الجاسر
نقرأ ونسمع بأن المؤسسات والإدارات العليا في الولايات المتحدة الأمريكية تتخذ قراراتها بناء على تقارير مراكز الأبحاث التي تمدهم بخلاصة أبحاثها السياسية والاقتصادية والاستراتيجية والعلمية.
هكذا تجسد يقين متلقي الأخبار حتى المتخصصين، إلا أنه وبعد سلسلة المواقف التي اتخذتها الإدارة الأمريكية وبالذات بعد تسلم الرئيس أوباما السلطة، وجد كثير من المتابعين أن العديد من القرارات الأمريكية مفاجئة وغير مبنية على دراسات أو على موقف ثابت يفترض أن تلتزم به الدول وبالذات الكبرى والمؤثرة، صحيح أنه يحصل تعديل أو تغير في المواقف، إلا أنه يتم بناء على معطيات مفهومة ومبررة للدول الحليفة والصديقة وحتى التي تختلف معها لتعرف كيف تتعامل مع هذه الإدارة أو الرئيس الذي هو المسؤول عن السياسة الخارجية الأمريكية.
هذا ما يجب أن يكون عليه التعامل في السياسة الخارجية الأمريكية، إلا أن المتابعين لهذه السياسة يرون عدم ثبات في هذه السياسة وتخبط يصل إلى نوع من التناقض والتي كان آخرها التعامل الأمريكي مع النظام الحاكم في سوريا، إذ كشف وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية جون كيري في مقابلة بثتها شبكة «سي.بي.إس» نيوز التلفزيونية مع بدء السنة الخامسة للثورة السورية، بأن واشنطن تبحث عن سبل الضغط على بشار الأسد لقبول محادثات إجراءات مفاوضات. هذا القول أصاب متابعي الشأن السوري بصدمة، فالأمريكيون ومنهم كيري كانوا يرددون دائماً بأن بشار الأسد غير مؤهل للاستمرار في السلطة، وأن النظام السوري نظام غير شرعي.
الآن يأتي وزير الخارجية الأمريكي ليقول بأن على بلاده أن تتفاوض مع الرئيس السوري بشار الأسد، والأدهى من ذلك أن واشنطن هي التي تطلب الآن فتح قناة تفاوض مع بشار الأسد، الذي إن لم يستثمر هذا التغير في الموقف الأمريكي لفرض شروطه التي تصاغ بالتفاهم مع حلفائه الطائفيين من الإيرانيين والمليشيات المرتبطة بهم، فإنه قد يرفض ذلك لإبعاد واشنطن عن أي تأثير عما يجري في سوريا بقصد حصر الحل في دائرة حلفاء الأسد من الإيرانيين والروس والمليشيات الطائفية التي تتمدد داخل المنطقة العربية.
المفاجأة الأمريكية الجديدة، أكدت بأن واشنطن ليس لها في الوقت الحاضر موقف ثابت عما يجري في المنطقة العربية، فهي وإن أطلقت وساعدت على نشر الفوضى العارمة في المنطقة العربية إلا أنها لم تكن تملك تصوراً على ما يمكن أن تفعل هذه الفوضى في المنطقة، فحتى ما كان يسمى بالفوضى المنظمة لم تعد تصلح لوصف ما يحصل في المنطقة، فلا هي بالفوضى المنظمة ولا بالموجهة، بل تترك لاجتهادات الإدارة الأمريكية ووزرائها الذين يغيرون مواقفهم بصورة أربكت حلفاءهم أكثر من أعدائهم.