د.علي القرني
من الواضح أن الجهود المصرية بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي لاستعادة دور مصر في الواقع السياسي المصري لم تبدأ من محاربة الإرهاب رغم جاهزية هذه الجهود، ولكنها بدأت بالشأن الاقتصادي في مواجهة عداءات الإرهاب.
وما شهدناه في القمة الاقتصادية التي عقدت بشرم الشيخ يعكس هذا الاتجاه وهو محاربة الإرهاب من خلال الاقتصاد، وقد حقق وسيحقق نتائج مهمة على صعيد الأمن والاستقرار في جمهورية مصر العربية.
وقد خطت بعض الدول في المنطقة وخارجها للاتجاه بمحاربة الإرهاب بتعزيز الأمن كجبهة أولى في مواجهة مخاطر وتداعيات الارهاب، ولكن لم تحقق تلك الدول النجاح الكافي الذي يمكن من خلاله استئصال شوكة الارهاب في المجتمع، وطالت حروب مكافحة الارهاب في تلك الدول نسبيا نتيجة أن جذور مسببات الارهاب لم يتم معالجتها من أصولها. ومن المعروف ان الارهاب يحاول دائما أن يوظف نقاط ضعف المجتمع في سبيل أن تكون هي مرتكز شرارة الارهاب، كالفقر الاقتصادي أو الظلم السياسي أو العنصرية العرقية أو صناعة دوافع دينية تقود الارهاب الى مرحلة التجلي على سطح المجتمع..
ونحن نعلم أن مصر هي دولة كبرى في المنطقة العربية ومنطقة الشرق الاوسط ويمثل سكانها الكتلة البشرية الاكبر في المنطقة، وبناء على ذلك فأصبحت هذه القوة السكانية بمثابة نقطة ضعف استراتيجية للنظام السياسي على مدى العقود الماضية لما تمثله هذه الكتلة من استدعاء ثروات اقتصادية للصرف على الاستحقاقات السكانية للشعب المصري. وعانت الحكومات المصرية خلال العقود الماضية من ضعف الاقتصاد الوطني المصري نتيجة الاحتياجات السكانية الهائلة لحوالي تسعين مليون مواطن مصري دون أن توجد ثروات طبيعية كبيرة تدعم مثل هذه الاحتياجات.
ومن هنا وجد الارهاب مكانه الطبيعي في أن يضرب بقوة في عمق المشكلة الاقتصادية ويستثمرها لصالح نموه وتجذره لدى شرائح فقيرة وجماعات مهمشة في المجتمع المصري، وكان احد اسباب ظهور جماعات الاخوان في الساحة المصرية سواء تحت السطح كجماعات ارهابية أو فوق السطح كحزب سياسي معترف به هو توظيف الاقتصاد وإخفاقات الدولة في الشأن الاقتصادي، وتحديدا عدم توفر الاحتياجات المعيشية للمواطن المصري أو لنسبة كبيرة منهم. وهذا ما حدا بجماعات الإخوان في الانتخابات السياسية الاخيرة وقبلها الى توزيع مواد تموينية متنوعة على الناخبين نظير التصويت لحزب الاخوان، ونجحوا في الوصول الى السلطة من هذا المنظور الاقتصادي.
وعندما جاء الرئيس عبدالفتاح السيسي الى دفة السلطة كان أمامه ان يشغل نفسه وحكومته بمحاربة الارهاب كاستراتيجية وحيدة لمواجهة الإخوان وغيرهم من فصائل العنف في المجتمع المصري، ولكنه حاول الالتفاف وراء مسببات ظهور جماعات العنف والارهاب، بالتوجه الى عمق المشكلة المصرية وهي ضعف الاقتصاد التي ادت الى توفير بيئة مناسبة لظهور الفكر الارهابي في المجتمع، واصبحت استراتيجية الحكومة المصرية هو النهوض بالاقتصاد المصري لمجموعة اسباب لكن من اهمها سببان: (1) تفويت فرصة استثمار الجماعات الإخوانية لظروف شرائح عريضة في المجتمع المصري تعاني من ضعف المصادر المعيشية لهم، وفي هذا الهدف يمكن سحب البساط من تحت تلك الجماعات مع تحسن الوضع الاقتصادي؛ (2) صناعة حدث سياسي جديد في مصر غير الحدث الارهابي، بمعنى صناعة اجندة سياسية جديدة لدى المجتمع المصري من شأنها أن تضعف مستوى الاهتمام بموضوع الارهاب.
وبنفس التفكير الاستراتيجي الذي كان ينظر اليه الرئيس المصري داخليا كانت نظرته كذلك استراتيجيا في التحالف مع دول مجلس التعاون الخليجي وخاصة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ودولة الكويت لتشكل فيما بينها مع دول اخرى قاعدة انطلاق جديدة في المنطقة اساسها الاقتصاد اولا ثم السياسة ثانيا، رغم تلازم المصلحتين الاقتصادية والسياسية. وهذا ما تحقق فعلا في شرم الشيخ حيث إن الاستثمارات الكبيرة التي تم ضخها من دول مجلس التعاون الخليجي ودول اخرى هو بمثابة مؤشر جديد الى ان مصر الدولة الجديدة ستضع اقتصادها وتنميته كاولوية في اطار جهودها لمحاربة الارهاب، وهذا بدوره سيسحب البساط عن المسببات الدافعة لنمو الارهاب وتفشية داخل المجتمع المصري.